اجتماع الواقفات (اللاتي نذرن حياتهن لخدمة الدين) 2011
الكلمة التي ألقاها حضرة خليفة المسيح الخامس أيده الله تعالى بنصره العزيز في اجتماع الواقفات في المملكة المتحدة والذي أقيم في 01/05/2011 في مسجد بيت الفتوح في موردن/لندن.
(ملاحظة: الواقفات هنّ البنات اللاتي نذرن حياتهن لخدمة الدين ضمن مشروع الوقف)
بعد قراءة التشهد، وسورة الفاتحة قال أمير المؤمنين أيده الله تعالى بنصره العزيز: نجتمع اليوم هنا، كما تعلمون، في اجتماع الواقفات، وأدعو الله تعالى أن يمكنكن جميعاً أن تستفدن فائدة كبيرة من هذا الحدث. وهنالك مسألة مهمة عليكنّ جميعاً تذكرها، وقد قلت ذلك مرات عديدة من قبل، وهو أنه قبل ولادتكن نذر أهاليكن حياتكن لخدمة الإسلام. لقد تم تأسيس مشروع الوقف من قبل حضرة خليفة المسيح الرابع رحمه الله، بنية أن الجماعة تحتاج الكثير من القوى العاملة من أجل نشر الإسلام. ووضع رحمه الله في حسبانه أن بضع عشرات أو حتى مئات من الناس، لن يكون كافياً. بل إن هنالك حاجة إلى أعداد كبيرة حقاً لتحقيق الهدف الكبير وهو خدمة الإسلام. وهكذا، أُقرّ مشروع الوقف المبارك ونذر آباءكن حياتكن بنفس الطريقة التي نذرت بها والدة مريم ابنتها قبل ولادتها عليها السلام. لقد سمعتن للتو تلاوة للآيات من سورة آل عمران والتي وردت فيها هذه القصة كاملة وكيف أن والدة مريم عليها السلام دعت الله تعالى: " رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ"(سورة آل عمران: الآية 36).
وبعد فترة من دعائها هذا أنجبت فتاة، وقد جاء في القرآن الكريم بأنها دعت الله تعالى:"... رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى..." (سورة آل عمران: الآية 37). فأجابها الله تعالى بأنه يعلم بما ولدت، وأنه يعرف أيضاً أن هناك بعض المهام التي يمكن للأولاد القيام بها بينما لا تستطيع ذلك الفتيات. ومع ذلك، منح الله حضرة مريم (عليها السلام) هذه المكانة العالية حيث ولدت في نهاية المطاف نبياً. وتذكرن أيضاً، أن جميع أنبياء الله ولدن من رحم النساء.
لقد ذكر القرآن الكريم امرأتين عظيمتين نبيلتين إحداهما حضرة مريم (عليها السلام) والتي كانت والدة نبي، والأخرى كانت زوجة فرعون التي نشأ وترعرع في كنفها نبي. وعلى الرغم من كونها متزوجة من فرعون القاسي، إلا أنها قد وقفت ورفعت حضرة موسى (عليه السلام). وقد ذكرت كل منهما في القرآن الكريم كقدوة للمؤمنين، لأن كلاهما قد التمست حماية الله تعالى ضد القسوة والشرور، وكلاهما قد حافظتا على عفتيهما. وهذا هو السبب في أن الله تعالى أراد من المؤمنين أن يتخذوا هاتين المرأتين قدوة لتحقيق المستويات الروحية العالية. وضرب المثل بهاتين المرأتين ما هو إلا دليل على عظمة مكانة المرأة.
لا تعرف العديد من الأمهات الأحمديات جنس جنينهن قبل الولادة، ومع ذلك، فهن يتبعن خطى حضرة مريم (عليها السلام). وربما تأمل تلك الأمهات بإنجاب ولد يستطيع أن يخدم الدين. ومع ذلك، الله يعلم كيف وممن يأخذ العمل. وهكذا، ولدت في العديد من المنازل الفتيات الواقفات. وأنتن جميعاً يا من تجلسن أمامي من أولئك الفتيات. وهنالك أولاد وقف أيضاً. يجب أن نتذكرن أن أمهاتكن قد قدمن ما نوينه، والله تعالى قد أنعم عليهن كما يشاء. وقد وصلت العديد منكن الآن إلى سن النضج الكامل من حيث الذكاء والمقدرات. والعديد منكن تعلمن تعليماً على مستوى عال، حيث أنهن يدرسن في العلوم والعديد من المجالات الأخرى في الجامعات. ولذلك، يجب أن تدركن أنه إن كنت ترغبن في تحقيق ما نذره والديكن، فمن الضروري حين تبلغن سن الخامسة عشرة أن تجددن هذا النذر الذي نذره والديكن نيابة عنكن، فبدون تجديد هذا النذر لن تستطعن فهم مسؤولياتكن على النحو الصحيح. وهذه هي النقطة التي ذكّرتكن بها من مرات عديدة، فلذلك يحدوني الأمل أن تكون الكثير من الفتيات ممن بلغن الخامسة عشرة أن تكن قد جددن عهدهن مع هذا المشروع المبارك. ويجب أن تتذكرن أيضاً أن مجرد تجديد هذا العهد ليس كافياً ولا يمكن أبداً أن يكون كافياً. بل يجب أن تضعن في اعتباركن أن الأمر متروك لكن لاتخاذ الجهد الكبير لإنجاز المسؤوليات الكبيرة المنوطة بكن.
في الاجتماع السابق للجنة إماء الله في المملكة المتحدة، أعطيت مثالاً عن حضرة أم عمارة رضي الله عنها والتي كانت تقوم بعمل هائل حيث كانت تمرض المصابين خلال المعارك المختلفة. ووقفت أيضاً أمام الرسول الكريم أثناء غزوة أحد عندما اختفى معظم الصحابة الذكور، ولم يبق مع حضرته (صلى الله عليه وسلم) منهم سوى واحد أو اثنين. وقد قاتلت حضرة أم عمارة رضي الله عنها بلا كلل وبشجاعة كبيرة لم يستطع حتى بعض الرجال إظهارها. وأشاد النبي الكريم (صلى الله عليه وسلم) ببسالة هذه المرأة الشجاعة. وأنا أقول دائماً أنه مثلما كان حضرة طلحة (رضي الله عنه) مثالاً للشجاعة والتفان في الرجال، كذلك كانت حضرة أم عمارة رضي الله عنها في النساء.
تقع على عاتق كل امرأة أحمدية، ولجنة الواقفات على وجه الخصوص، مسؤولية كبيرة عليهن تحملها. وعليكن محاكاة نماذج هؤلاء المحاربين المسلمين. ويجب أن تحاولن في أيامنا هذه وفي عصرنا هذا، التمسك بالقيم التي تميزكن كنساء أحمديات ومسلمات مخلصات، بحيث تشكلن مصدراً للتقدم للأحمدية والإسلام بشكل عام. وأدعو الله تعالى أن تكن جميعكن قادرات على الاضطلاع بالمسؤوليات الملقاة على عاتقكن كناذرات لحياتكن. وإن المسؤولية الأكبر والأهم للواقفات هي نفس المسؤولية التي أوفت بها بشكل جميل تلك النساء الورعات، اللاتي أشرت إليهن سابقاً، حضرة مريم (عليها السلام) وزوجة فرعون. وهكذا، فإن أهم واجب للمرأة الأحمدية هو أن تعيش حياة الصالحين.
لقد وصلت العديد منكن لسن يستطعن به فهم مسؤولياتهن، ولكي تكنّ قادرات على الوفاء بهذه المسؤولية، فمن الضروري وفقاً لتعاليم الإسلام زيادة معرفتكن الدينية، لأنه من دون هذا الفهم، لن تتمكنّ من العيش وفقاً لتعاليم الإسلام، وعلاوة على ذلك، لن تتمكن من تربية أبنائكن في المستقبل بطريقة يفهمون بها تعاليمه الجميلة ويلتزمون بها. لذلك، فاكتساب المعرفة الدينية أمرٌ مهمٌ للغاية. والمعرفة الدينية الأهم هي، بطبيعة الحال، معرفة القرآن الكريم. وينبغي أن تكون تلاوة القرآن الكريم جزءاً من روتينكن اليومي العادي، ولكن هذا ليس كافياً في حد ذاته فمن الضروري أيضاً أن تدرسن وتتعلمن ترجمة ومعنى القرآن الكريم، ويجب أن تتخذن عادة كتابة الملاحظات الخاصة بكن.
ويجب عليكن أيضاً دراسة التفسير، وهو متوفر باللغة الأردية والإنجليزية على حد سواء. وكذلك يجب تولية أهمية كبيرة لكتب المسيح الموعود (عليه السلام) ويمكنكن أن تبدأن بقراءة بعض الكتب التي ألفها المسيح الموعود (عليه السلام) في السنوات الأخيرة من حياته إن كنتن ترغبن في ذلك، لأنها أسهل نوعاً ما للفهم. واللاتي يستطعن منكن قراءة وفهم لغة الأوردو، فعليهن قراءة كتب المسيح الموعود (عليه السلام) مباشرة، واللاتي لا يستطعن قراءة الأردية، فيجب عليهن قراءة الترجمة الانكليزية التي طبعت من قبل الجماعة، أو ينبغي عليهن قراءة كتب جوهر تعاليم الإسلام التي تم طباعتها مسبقاً. وإن كنتن قادرات على تحقيق مثل هذه المعرفة، فسوف تكون وسيلة تلقائية لتربيتكن الأخلاقية، وسوف تصبحن سفراء للجماعة. وعلاوة على ذلك، سوف تكن وسيلة لتعليم أجيالنا القادمة، إن شاء الله.
وأهم عامل لزيادة معلوماتكن الدينية والتعليمية هو الدعاء. فإن لم تنخرطن في الدعاء وتطورن علاقتكن مع الله تعالى، فإن كل معرفتكن الدينية لن تجدي أي نفع. تذكرن، أننا لا نسعى لاكتساب المعرفة الدينية لمجرد المعرفة. فكما قلت للتو، يجب أن تتزامن مع الدعاء الجاد والصادق، ويجب أن تكون تلك المعرفة وسيلة لتقدمكن الروحاني. وعندما يحدث هذا فإن ملذات الحياة الدنيا واللعب والمرح سوف تختفي من حياتكن. وعندما يتم القضاء على مثل هذه المطامع الدنيوية والملذات، فإن الروح الحقيقية للواقفات سوف تظهر في كل واحدة منكن إن شاء الله. هناك المئات من الواقفات في المملكة المتحدة كما جاء في التقرير أن أكثر من 700 من الواقفات يعشن هنا في المملكة المتحدة. ولو أن هذه الروح تطورت بين كل واحدة منكن، فإن ذلك سوف يصبح وسيلة لإنتاج الجو الديني الذي لن يستفيد منه الجيل المستقبلي للجماعة فحسب، لكنها ستكون أيضاً وسيلة وطريقة لنشر رسالة الإسلام في جميع أنحاء المملكة المتحدة، بل في العالم إن شاء الله.
يتعرض الإسلام في هذه الأيام للهجوم في جميع أنحاء العالم، ويقال ويكتب الكثير في معارضته. وخاصة في موضوع المرأة. صحيح أنه على كل فتاة وامرأة أحمدية أن تؤدي دورها في الدفاع عن الإسلام، ولكن ينبغي أن يكون دور الفتاة الوقف أكبر من ذلك، والسبب في ذلك هو أن والدا الوقف قد نذرا أن تخصص كل ثانية من حياة طفلتهما لخدمة الإسلام. وأنتن تجددن بعد سن الخامسة عشرة هذا النذر من أجل خدمة الإسلام. عليكن فهم مسؤوليتكن في هذا المجتمع الغربي الذي تعشن فيه؛ وعليكن أن تشرقن مثل الضوء الساطع الذي لا يوجد فيه أية دلالات من الرغبات الدنيوية أو الملاهي. في الواقع، يجب أن تتوهجن مثل منارة حقيقية للنور الروحي.
وأدعو الله أن يشع هذا النور في وجه كل واحدة منكن، وإن حدث هذا إن شاء الله فسوف يزول همي وهم الخلفاء في المستقبل على حد سواء، لأنه من القدوة الواحدة تولد قدوة أخرى. الفتيات الأكبر سناً من بينكن موجودات في الدفعة الأولى أو الثانية من الواقفات. والقليلات منكن قد تزوجن بل ولديهن أولاد. وهكذا، فالأمر متروك لكن لتحديد الاتجاه فامضين قدماً وارسمن توجهاتكن. وكن مثالاً جيداً بحيث يدعو لكن الناس في زمانكن وفي المستقبل على حد سواء. وآمل أن تكون كلماتي قد جعلتكن تدركن أهميتكن. يجب أن تجعلن دراسة الدين الأمر الأهم في حياتكن اليومية، وأن تجعلن القرآن الكريم يؤثر في تصرفاتكن وأفعالكن، وإذا قمتن بذلك، فلن تكن على قدم المساواة مع الرجال فحسب، بل ستصبحن أكثر أهمية وقيمة منهم.
تذكرن أنكن، كواقفات عبارة عن مساعدات لخليفة الوقت، فأنتن من يستطعن القضاء على مخاوفه وهمومه المتعلقة بتربية الجيل القادم. وستتكون لديه قناعة بأن مهمة تنشئة الجيل القادم في أيد أمينة. ولذلك فمن واجبكن أنتن الواقفات على وجه التحديد، وجميع النساء والفتيات الأحمديات بشكل عام، فهم هذا واجب، والالتزام به. ومن الضروري للواقفات اللواتي أكدن على نذر حياتهن لخدمة الإسلام بعد أن بلغن سن الرشد، القضاء على جميع الرغبات الدنيوية. وينبغي أن يظهرن في أعمالهن، وكلماتهن، وتعليمهن، وسلوكهن اليومي دليلاً على حقيقة أن لله والإسلام والأحمدية الأسبقية على كل شيء آخر.
مهما كان مجال تعليمك فاخلصي النية أن يكون لخدمة الإسلام والجماعة ويجب أن تخلو قلوبكن من السعي لأي مكافأة أو امتنان في المقابل. قدمن أنفسكن تماماً بهدف خدمة الجماعة والفوز بمرضاة الله، وأثبتن أنكن تستحقن بحق أن تسمين واقفات، ليس فقط بالاسم، ولكن من خلال أعمالكن وتصرفاتكن، وإن وضعتن هذا المبدأ في الاعتبار، فاعلمن أنك وفيتن بالنذر الذي نذرتنه لله تعالى.
يقول الله تبارك وتعالى أنه سيسألنا عن عهودنا، وبالتالي، إن كنتن تؤمن بالله، وتأكدتن أنكن لا تفعلن أي شيء يحنث بالعهد الذي اتخذتنه. فضعن هذا المبدأ في الاعتبار، وتأكدن من أن نذركن لحياتكن سوف يكون مثمراً، وسوف تحظين بأنعام الله ومساعدته طوال حياتكن. أدعو الله عز وجل أن يمنحكن القدرة على الوفاء بهذه المسؤوليات.
وأود أيضاً أن أقول للفتيات الأصغر سناً بينكن، أن عليكن أن تعطين اهتماماً للتعليم الديني بطريقة مماثلة لتركيزكن على العمل المدرسي، ويجب أن تقرأن وتدرسن منهاج الوقف وغيره لزيادة معرفتكن الدينية. وعلاوة على ذلك، يجب أن لا تفوتن صلاة واحدة، ويجب أن تعتدن قراءة للقرآن الكريم كل يوم، حتى وإن كان ركوعاً واحداً فقط، أو حتى بضعة أسطر. يجب أن تطعن والديكن تماماً لدرجة تصبحن بها نموذجاً إيجابياً لإخوانكن وأخواتكن الآخرين. ولا ينبغي أن تشعرن بالتفوق عليهم بأي شكل من الأشكال بسبب أنك عضوات في مشروع الوقف، أو أنكن تستحقن اهتماماً أو احتراماً خاصاً بل ينبغي عليكن في الواقع، أن تكن على العكس من ذلك، فيجب أن تظهرن احتراماً كبيراً للآخرين ويجب أن تستمعن إلى والديكن ولمن هو أكبر منكن سناً.
وينبغي أن يُلاحَظ في الفصول الدراسية الدينية أنكن فتيات على مستوى عالٍ من الأخلاق وتتمتعن بشخصية فريدة. وفي مدارسكن ينبغي أن يراكن المعلمون والتلاميذ كمثال يحتذى به. لقد تم تطوير منهاج الوقف ليغطي حتى سن 19-20 ولذلك، يجب على كل طفل وطفلة قراءة المنهج المناسب لسنهم. وفي هذا الصدد، يجب على الآباء والأمهات والمنظمين التأكد من أن الأطفال يتبعون ويتعلمون منهاجهم حرفياً، وهذا سيكون وسيلة للتربية الجيدة. أدعو الله تعالى أن يمنح كل واحدة منكن القدرة على فهم مسؤولياتها والوفاء بها، آمين. من فضلكن شاركنني الآن الدعاء الصامت.
تحميل الخطاب (73.3MB)
|