loader
 

خدمات الأحمدية للعالم العربي

لقد كان إخلاص الأحمدية وولاؤها للعالم الإسلامي والعربي غنيًّا عن البيان منذ يوم تأسيس الجماعة إلى يومنا هذا. ولقد كانت قضايا العرب والمسلمين في صلب اهتماماتها دوما. وكما أحب سيدنا أحمد عليه السلام العرب حبا جما، فإن خلفاءه أيضا أحبوهم بما لا مثيل لـه، وقدموا لهم عند كل حدث هام نصحَ الناصح الأمين.
 

 

Orange Dot الخليفة الثاني رضي الله عنه ومواكبة الأحداث
Orange Dot خدمات جليلة لمحمد ظفر الله خانْ الأحمدي
Orange Dot الخليفة الرابع -رحمه الله- وكارثة الخليج
Orange Dot الخليفة الرابع- رحمه الله- وخطاب "حب العرب من الإيمان"
 
الخليفة الثاني رضي الله عنه ومواكبة الأحداث

فقبل أن تتخذ الهيئة العامة للأمم المتحدة قرارًا غاشما بتقسيم فلسطين ارتفع في العالم صوت واحد يحذّر العالم الإسلامي برمّته قبل الأوان، وأحدث ثورة كبيرة في العالم العربي وغيره. وقد كان هذا صوت الخليفة الثاني للإمام المهدي عليه السلام، إذ قام بتأليف كتيّب هزّ القلوب، وقد تم نشره على نطاق واسع جدا، ومن خلاله نبَّه المسلمين جميعًا قائلا:
"لا تظنوا أن الغرب اليوم عدو لكم والشرق صديقكم، ولا تحسبوا العكس أيضا صحيحا. إنني أنبهكم أن أمريكا ليست صديقة لكم، كما أن روسيا أيضا ليست صديقة لكم. إنهما قوتان متفقتان على مؤامرة ضد الإسلام. ألم يبق فيكم شيء من الغيرة وحبِّ الإسلام حتى تنبذوا أنتم أيضا عداوتكم الداخلية وتتحدوا من أجل الإسلام؟"

ثم بعد أن أُخذ هذا القرار الغاشم بتقسيم فلسطين كتب حضرتُه مقالا آخر ونشره أيضا على أوسع نطاق، وقد قال حضرته مما قال فيه:
"القضيّة ليست قضيّة فلسطين وإنما هي قضية المدينة المنورة. والمسألة ليست مسألة بيت المقدس وإنما هي مسألة مكة المكرمة ذاتها. القضيّة ليست قضيّة زيد أو عمرو بل هي قضيّة عِرض محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. لقد اتّحد العدو ضد الإسلام متناسيًا أوجه الخلاف الكثيرة بينه. أَوَلاَ يتّحد المسلمون بهذه المناسبة رغم وجود آلاف من أوجه الاتحاد بينهم."

("الكفر ملة واحدة" نقلاً عن جريدة "الفضل" 21/5/ 1948م)


ألم يبق فيكم شيء من الغيرة وحبِّ الإسلام حتى تنبذوا أنتم أيضا عداوتكم الداخلية وتتحدوا من أجل الإسلام؟ (المصلح الموعود)

لقد كان هذان المقالان مؤثرينِ لدرجة هزّا المسلمين وأحدثا فيهم صحوة، ودوّى صداهما في العالم العربي إلى فترة طويلة.

ولم تكن الحملة المسعورة على الجماعة الإسلامية الأحمدية قد ابتدأت بعد من قِبل مَن حرّضهم أسيادهم من الدول الغربية. وكان العالم العربي يكنّ للجماعة الإسلامية الأحمدية كل التقدير والاحترام، والمتتبع للتاريخ في ذلك الوقت سيجد كثيرا من الأدلة والعلائم على هذه المكانة التي كانت تحظى بها الجماعة عند العرب والمسلمين.

وكمثال على ذلك، نورد جزءًا من مقال لصحفي معروف ومرموق في العراق اسمه الأستاذ علي الخياط أفندي، وكان يحرر جريدته "الأنباء" العراقية. فكتب:
"إن الاستعمار... يعمد إلى إثارة الشقاق بين طوائف المسلمين بإثارة النعرات، لتقوم بعض العناصر بتكفير فئة الأحمدية والتشهير بهم... إني أؤكد للقراء بأني مطلع كل الاطلاع على تدخُّل الاستعمار في هذه القضية، إذ إنه حاول أن يستغلني فيها بالذات عام 1948 م أثناء حرب فلسطين.
كنت حينئذ أحرر إحدى الصحف الفكاهية وكانت من الصحف الانتقادية المعروفة في عهدها. وقد أرسل إلي موظف مسؤول في إحدى الهيئات الدبلوماسية الأجنبية في بغداد يدعوني لمقابلته. وبعد تقديم المجاملة وكَيْلِ المديح على الأسلوب الذي أتبعه في النقد رجاني أن أنتقد الجماعة القاديانية على صفحات الجريدة المذكورة بألذع طريقة ممكنة، لأنها جماعة مارقة عن الدين...
وقد اطلعتُ خلال ترددي على هذه الهيئة بأني لست الوحيد المكلف بهذه المهمة، بل هناك أناس آخرون يشاركونني التكليف، كما أني لم أكن الشخص الوحيد الذي رفض، بل رفضه غيري أيضًا.
كان ذلك عام 1948م في الوقت الذي اقتُطِعَ فيه جزء من الأراضي المقدسة وقُدِّم لقمةً سائغة للصهيونيين. وإنني أظن أن إقدام الهيئة المذكورة على مثل هذا العمل كان رد فعل للكراستين اللتين نشرتهما الجماعة الأحمدية في ذلك العام بمناسبة تقسيم فلسطين، وكانت إحداهما بعنوان (هيئة الأمم المتحدة وقرار تقسيم فلسطين) التي كانت تبحث في المؤامرات التي دُبِّرت في الخفاء بين المستعمرين والصهيونيين، وكانت الثانية بعنوان (الكفر ملة واحدة) وكانت تحث المسلمين على توحيد الصفوف وجمع المال لمحاربة الصهيونيين وتطهير البلاد المقدسة من أرجاسهم.
هذا ما اطلعت عليه بنفسي في ذلك الحين، وإني واثق كل الوثوق بأن الأحمديين ما داموا يبذلون الجهود لجمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم... فإن الاستعمار لن يتوانى عن تحريك بعض الجهات للتشهير بهم بقصد تشتيت الكلمة."
(جريدة "الأنباء" بتاريخ 21/9/1954م)


ولكن يبدو أن الغرب قد جنّد جنوده الآن، وعمل على بث الدعاية المغرضة عن الجماعة الإسلامية الأحمدية لحجبها عن أمتها. ولكن هذه الغمامة من الكذب والافتراء لا بد أن تنقشع وستنكشف الحقيقة عاجلا أو آجلا بإذن الله. ولكن نسأل الله تعالى أن يعجل في كشف الحقيقة كي يرفع الآلام عن الأمة ويهديها إلى السبيل القويم.
 

 

خدمات جليلة لمحمد ظفر الله خانْ الأحمدي

وفيما يتعلق بشخص السيد ظفر الله خان الابن البار للجماعة الإسلامية الأحمدية فإنه لم يدخر جهدا في متابعة قضية فلسطين ومصلحتها، وواصل الليل بالنهار حتى كاد يُهلك نفسه في هذا السبيل حتى إن العرب أنفسهم أشادوا بمواقفه الجليلة. ونقدم بعضاً من هذه الشهادات على ذلك.

فلقد كتبت جريدة "الأهرام" القاهرية بتاريخ 27/6/1952م تحت عنوان "مواقف يفخر بها الشرق" ما يلي:
"تحدث أحد ممثلي مصر في الجمعية العمومية لهيئة الأمم المتحدة عن موقف يفخر به الشرق كله وقَفه السيد محمد ظفر الله خان وزير خارجية الباكستان. ففي الجمعية العمومية للأمم المتحدة ألقى عن فلسطين الشهيدة خطبة استغرقت ثلاث ساعات كاملة لم يتناول خلالها جرعة ماء واحدة.. وأثبت قوة إيمانه بالدين الإسلامي وبالوطن العربي. ولقد بكى واستبكى.. وشهد لـه الجميع بأنه رجل عظيم، مسلم كريم، وطني صميم، سياسي حكيم، ومتمكن من اللغة الإنجليزية كأحد أبنائها من العلماء الأفذاذ".

وأضافت الجريدة قولها استنادا إلى المعلومات التي تلقتها من مصادر موثوقة الاطلاع:
"ولعل صاحبنا السيد محمد ظفر الله خان هو الشخص الوحيد من الشخصيات السياسية البارزة في العالم بالوقت الحاضر الذي لا يفارقه القرآن المجيد أبدا‍، ويصلي خمس صلوات مستقبلا القبلة الشريفة تحت كل سماء وفوق كل أرض وفي جو السماء حيث تحمله الطائرات من الشرق إلى الغرب ومن الشمال إلى الجنوب، ولا يتأخر عن بيان فضائل الإسلام ومحاسنه بالقلم واللسان، والعمل بأحكامه حتى في قاعات الأمم المتحدة".

كذلك يقول السيد عبد الحميد الكاتب في مقال له نُشر في مجلة "العربي" بعنوان: "ظفر الله خان بطل قضية فلسطين":
"..... كان صوت ظفر الله خان، وزير خارجية باكستان حينذاك، والذي كان عَلَمًا بارزًا في الأمم المتحدة على مدى عشرين سنة، بمواقفه العظيمة في كل قضية عربية وإسلامية.. قضية فلسطين، وقضية كشمير، وقضية أرتيريا، وقضية الجزائر.. وكل ما قام وثار من قضايا الشعوب المقهورة.
وقد توافرت في ظفر الله خان ثلاث صفات جعلته من أبرز الشخصيات في الأمم المتحدة .. فكان وراءه تاريخ حافل في سياسة بلاده، كما كان خطيبا قديرا ومحاميا فذا، وكان حجة في القانون من جانبيه الدولي والإسلامي.
فأما دوره في سياسة بلاده فلعله كان ثالث الثلاثة الذين تزعموا حركة إنشاء دولة باكستان، مع زعيمها ورئيسها الأول محمد علي جناح، ومع لياقت علي خان أول رئيس وزارة لها. وأما مقدرته القانونية فقد أهلته فيما بعد ليكون قاضيا في محكمة العدل الدولية، ثم رئيسا لها لسنوات عديدة ختم بعدها حياته السياسية ثم أوى إلى بيته في باكستان بعيدا عما جرى فيها من أحداث حزينة في السنوات الأخيرة.. أو لعله أمضى وقته في كتابة تفسير للقرآن الكريم. فقد كان مسلما متدينا وكان يؤدي الصلاة في وقتها في قاعة صغيرة عند مدخل مبنى الأمم المتحدة..
وهو قادياني المذهب ولكنني أعتقد أنه كان يدين بالإسلام على وجه صحيح سليم.. أما قدرته في الخطابة فكانت تشد إليه الأسماع والعقول وهو يرتجل على مدى ست ساعات، استغرقت جلستين كاملتين في مجلس الأمن، خطابا عن قضية كشمير وحق أهلها في تقرير مصيرهم!
.....أما بطل الدفاع عن مشروع فلسطين الموحدة فكان محمد ظفر الله خانْ، الذي حشد في دفاعه عن الحق العربي في فلسطين كلَّ مواهبه ومقدرته الخطابية والقانونية والسياسية. كما كانت خطبه تنبض بروح إسلامية صادقة، وبإيمان قوي بأن الشعب الفلسطيني جدير جدارة الشعب الباكستاني وغيره من شعوب العالم بأن يتحرر من الحكم البريطاني، ومن الزحف الصهيوني على السواء...
وكانت من الحجج القانونية التي ساقها ظفر الله خان أن الأمم المتحدة لا تملك بتاتا الحق في تقسيم أرض أية دولة من الدول.... حتى لو كانت هذه الدولة مستعمرة أو محمية. وإنما هذا متروك لشعبها وسكانها وحدهم .... وليس في ميثاق الأمم المتحدة ولا في قواعد القانون الدولي ما يبيح للأمم المتحدة أن تفرض على شعب من الشعوب أن يقسم نفسه ويوزع أرضه قطعة هنا وقطعة هناك ..
وطلب أن تستفتي محكمة العدل الدولية في هذا الأمر، وأن يوجه إليها هذا السؤال:
"هل تملك الأمم المتحدة -أو يملك أي عضو من أعضائها- أن تفرض قرارًا أو أن تصدر توصية بتعلق أية خطة لتقسيم فلسطين، أو تقسيم أي وطن في العالم، ضد رغبة سكانه وبدون موافقتهم عليه؟"
وفي خلال يوم أو يومين نشطت الأجهزة الصهيونية في كل مكان، داخل البيت الأبيض وداخل الكونجرس، وداخل وزارة الخارجية الأمريكية، وداخل وزارة الخارجية في بلاد عارضت التقسيم مثل الفيلبين أو امتنعت عن التصويت مثل ليبيريا.. وحتى داخل مكتب الأمين العام للأمم المتحدة الذي كان أكثر الناس حماسًا لتقسيم فلسطين وإقامة الدولة اليهودية.. فلما صوتت الجمعية العامة انقلبت أصوات عدد من الدول، وصدر القرار النهائي بأغلبية ثلاثة وثلاثين صوتا مع التقسيم وثلاثة عشر صوتا ضد التقسيم، وعشرة أصواتا ممتنعة عن التصويت .. أي إن قرار تقسيم فلسطين ظفر بالأغلبية اللازمة وعليها سبعة أصوات أخرى!"

ظفر الله خان في لقائه مع الزعيم المصري الراحل جمال عبد الناصر

"...... وقف ظفر الله خان على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة يلقي خطابا يفيض بالمرارة .. ولكنه أيضا ينظر فيه إلى بعيد.. ويتنبأ بما سوف يترتب على هذا القرار من نتائج وعواقب، لن تنجو منها تلك الدول التي تحمست واندفعت لتقيم الدولة اليهودية فوق أنقاض الوطن الفلسطيني .. قال ظفر الله خان في خطابه المدوي في ذلك اليوم الحزين:
"تقولون إننا لم نفعل أكثر من أن نأخذ جزءا من فلسطين ليقيم فيه اليهود لأن هذا أمر تقتضيه "الإنسانية" تجاه هؤلاء "المضطهدين" .. لو كان ما تقولونه صدقا لقبلتم مقترحاتنا بأن تفتح كل دولة أبوابها لتؤوي عددا من اليهود الذين لا وطن لهم ولا مأوى .. ولكنكم جميعا رفضتم.
أستراليا .. قارة بأكملها .. تقول لا، فأنا بلد "صغير المساحة" ومزدحمة السكان! وكندا تقول لا، فأنا أيضا مساحتي صغيرة وأراضي مكتظة بالسكان.
والولايات المتحدة، بمُثلها الإنسانية العظيمة، وبمساحاتها الشاسعة ومواردها الهائلة، تقول: لا، ليس هذا هو الحل....
ولكنكم جميعا تقولون: دعوا اليهود يذهبون إلى فلسطين .. فهناك الأراضي الفسيحة، وهناك الاقتصاد المزدهر .. فليذهبوا إليها بعيدا عنا.. ولن تكون هناك متاعب ولا مشاكل..!!"
"وينقلب صوته الساحر وهو يتحدث عن المواقف "الإنسانية" التي تدعيها هذه الدول إلى صوت من التحذير والنذير وهو يوجه كلامه إلى أمريكا وأشياعها قائلا:
"أنصحكم أن تتذكروا الآن أنكم سوف تحتاجون غدا إلى أصدقاء. أنصحكم أن تعرفوا أنكم في حاجة إلى أصدقاء في الشرق الأوسط.. فلماذا تجعلون من شعوب تلك البلاد أعداء لكم؟ لا تحطموا بأيديكم مصالحكم في تلك البلاد."
(مجلة "العربي" العدد 295، حزيران عام 1983م)


وفي الوقت الذي كانت قضية فلسطين حديثة العهد وكان السيد ظفر الله خان منصرفا كل الانصراف إلى بذل جهود مشكورة في هذا النضال العظيم الذي كان يحمل أهمية تاريخيّة، تمتْ محاولةٌ بشعة في أروقة الجامعة العربية لإخراج السيد ظفر الله خان من دائرة عالم الإسلام وبالتالي تحريمِ العالم الإسلامي من خدماته المشكورة، إذ أصدر مفتي مصر فتوى طويلة ضد ظفر الله خان والجماعةِ الإسلامية الأحمدية بإيعاز من الملك فاروق الذي اشتهر بكونه عميلاً للقوى الاستعمارية. وذلك بُغية حرمان عالم الإسلام من خدمات بطله الجليل والخادم المخلص له.

وعندما نُشرت هذه الفتوى -وكانت ذكريات الخدمات التي قام بها السيد ظفر الله خانْ حديثة في الأذهان- كتب الأمين العام للجامعة العربيّة سعادة عبد الرحمن عزام باشا إلى جريدة نشرت الفتوى المذكورة فقال:
"ظفر الله خان رجلٌ مسلمٌ لم نشهد عليه إلا قولا حسنًا وعملاً حسنًا. وقد أُوتيَ حظًا كبيرًا في الدفاع عن الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها. وله مواقف دولية مشهورة دفاعًا عن الإسلام قدرها الناسُ وشكره عليها المسلمون. وهو كذلك من أكفأ رجال الإسلام لتولّي الشؤون العامة."
(جريدة "الأخبار" القاهرية عدد 23/6/1952م)


ونشرت جريدة "المصري" مقالاً شاملاً للأستاذ أحمد أبو الفتح تحت عنوان "أَنْعِمْ به مِن كافر"، تحدث فيه عن مواقف ظفر الله خان الإسلامية المجيدة حيث جاء فيه:
"....وإذا كان فضيلة المفتي قد اتهمه بالكفر، فأَنْعِمْ بظفر الله خانْ كافرا، وما أحوَجَنا إلى عشرات من أمثاله من الكفار الكبار."
(جريدة "المصري" 25/6/1952م نقلا عن مجلة "البشرى" سبتمبر 1952م مجلد 18 ص119)


كذلك أدلى سعادة أحمد خشبة باشا بتصريحه إلى جريدة "الزمان" المصرية في عددها 25 يونيو 1952م حيث قال بأنه يشعر بألم شديد مما نُسب إلى سعادة ظفر الله خانْ. وأضاف قائلا:
"إن الخدمات التي أداها السيد ظفر الله خان للإسلام والعالم العربي عامة ومصر خاصة خدماتٌ جليلة يدين له بها العالَمُ الإسلامي ومصرُ."

وبهذه المناسبة صرّح فضيلة الأستاذ خالد محمد خالد في جريدة "أخبار اليوم" 26/6/1952م بعنوان "أصبح الأبرار كافرين":
"وظفر الله خان بالنسبة إلينا رجل مسلم كامل الإسلام.. وإذا كان الرجل الذي يواجه الاستعمار في جبروت شامخ من بلاغته وصدقه.. والرجل الذي جعل اللهُ الحقَ على لسانه وقلبه.. إذا كان هذا الرجل كافرًا فإن كثيرًا من الأبرار يودّون أن يصبحوا كافرين على هذا النحو.."
(نقلا عن مجلة البشرى مجلد 18 عدد سبتمبر 1952 ص132)


وقال سعادة أحمد خشبة باشا في مقال له نُشر في جريدة "الزمان" المصرية العدد الصادر في 25/6/1952:
"إنني أشعر بأن في عنقي دَينًا نحو هذا الرجل العظيم الذي أدى خدمات جليلة لبلادي، وإنني في شدة الامتعاض لهذه الفتوى التي أُُفتيت بصدد هذا الرجل الكبير."
(نقلا عن مجلة "البشرى" سبتمبر 1952 مجلد 18 ص125)


وكتبت جريدة أخرى:
"هناك فرق عظيم بين الشيخ مخلوف وظفر الله خانْ: فالأول مسلم ولكنه لا يعمل وإذا عمل فإنه يعمل للتفرقة.. وظفر الله خانْ مسلم عامل للخير، والله تعالى جمع في كتابه الكريم دائما وفي كل آية بين الإيمان والعمل الصالح.. ما أبعدَ تكفيرَ المسلمين عن الإيمان وعن العمل الصالح؟"
(بيروت المساء، العدد: 224 بتاريخ 29/6/1952)

 

 

الخليفة الرابع -رحمه الله- وكارثة الخليج

وقد استمرت مسيرة الجماعة الإسلامية الأحمدية في الدفاع عن القضايا العربية والإسلامية رغم كل الصعوبات من تكفير واضطهاد.

فعندما اجتاحت القوات العراقية دولة الكويت في صبيحة يوم الخميس، الثاني من آب عام 1990، بادر الخليفة الرابع حضرة مرزا طاهر أحمد -رحمه الله- بمتابعة هذا الحدث وتقديم النصح للأمة العربية والإسلامية حول ما ينبغي أن يفعلوه لتدارك هذه الأزمة الخطيرة. وقد بين حضرته، في سلسلة طويلة من الخطب المتتابعة، أن هذه المشكلة قد قدم القرآن الكريم حلّها وعلى المسلمين أن يتبعوا وصفة القرآن الكريم وألا يُدخلوا الأمم الغربية في الأمر.

وقد بين حضرته أن هذه الخطوة من الغرب إنما هي الخطوة الأولى لإنشاء النظام العالمي الجديد الذي تسعى أمريكا لفرضه على العالم، وما تخفي صدورهم أكبر.

وقد قُدِّمت هذه السلسلة من الخطب للقارئ العربي في صورة كتاب تحت اسم "كارثة الخليج والنظام العالمي الجديد".

 

الخليفة الرابع- رحمه الله- وخطاب "حب العرب من الإيمان"

في خطاب مستفيض دعا حضرته -رحمه الله- جماعتَه إلى الدعاء من أجل الأمة العربية والإسلامية، ومما ورد فيها:
"إخواني الكرام! إن الأمر الأهم الذي أحب أن أحدثكم بشأنه هو أن العالم الإسلامي يمر بدور ابتلاء رهيب، وأخص بالذكر الدول العربية والعالم العربي المستهدفين لمظالم متوالية وتعذيب شديد من كل جانب. وكأن الأهداف التقت باتجاه إبادة العرب من على وجه الأرض. إن إسرائيل والمعسكرين الشرقي والغربي على حد سواء مشتركون في الظلم الدائر ضد العرب، حيث يتلاعبون بمقدرات الأمة العربية في حقل السلاح، ويدفعونهم ليسفك العربي بيده دم أخيه العربي. وحيث كان الأمر متعلقا بإسرائيل فلا توجد قوة في الأرض هي على استعداد لمد يد العون للعرب بجدية. وإن ما يتراءى في الأفق هو أن هؤلاء قد اتفقوا على وضع العرب في حالة ينهبون فيها نفطهم مقابل أسلحة زائدة لديهم، ويسعون لنهب خيراتهم وتحريض بعضهم ضد البعض الآخر.

إن العرب اليوم في حالة يرثى لها، مما لا يسمح لأي مسلم السكوت على هذا الوضع واحتماله. لذا فإني أحض جماعتنا على الالتزام بالدعاء المستمر في هذه الأيام وبكل توسل وتضرع لصالح الأمة العربية، ليس مرة أو مرتين، بل ثابروا على الدعاء لهم دونما انقطاع، في تهجدكم وفي كل صلواتكم. ادعوا ربكم ليتفضل على العرب ويرحمهم وينقذهم من مصائبهم وآلامهم، ويغفر لهم ويعفو عنهم، حتى يعود إليهم النور الذي أشرق من بينهم بكل قوة وجلال، فيجعلهم الله سبحانه حملة هذا النور المحمدي إلى العالم قاطبة، وليكونوا في الصف الأول من المضحين في سبيل الإسلام، كما كانوا من قبل. ولا يكونوا من المتخلفين.

"العرب نور الله في الأرض، وفناؤهم ظلمة، فإذا فنيت العرب أظلمت الأرض وذهب النور" (من الخطاب)

إن بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمة العربية يشكل إحسانا عظيما إلى العالم أجمع، وإن لم يكن مردُّ ذلك لإرادتهم، فللعرب فضلهم العظيم أن كان محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم من بينهم.

ولقد قدم العرب من التضحيات في سبيل الإسلام ما لا نجد له نظيرا بين أمم الأرض. ولا ريب أنه وإن كان ظهور محمد من العرب دون إرادتهم، لكنه لا بد أن كانت فيهم خصال حميدة ما وجدت في سواهم، أهّلتهم تلك الصفات في نظر الله سبحانه وتعالى لتكون فيهم بعثة سيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم.

إن الذي يتفحص إنجازات العرب العملية، يوقن بصحة الاصطفاء الإلهي لهم، وعلى هذه الصورة يصبح إحسان العرب إلينا إحسانا مباشرا وإراديا، حينما رأيناهم وقد تقدموا فنصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيدوه وتسابقوا إلى ميادين الشهادة في سبيل الله وما نكصوا، وبهذه الصورة نوروا العالم بنور الإسلام في سنين معدودات.

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إني دعوت للعرب فقلتُ: اللهم، من لقيك منهم مؤمنا موقنا بك، مصدقا بلقائك، فاغفر له أيام حياته. وهي دعوة إبراهيم وإسماعيل. وإن لواء الحمد يوم القيامة بيدي. وإن أقرب الخلق من لوائي يومئذ العرب."
(كنـز العمال)


وقال صلى الله عليه وسلم أيضا:
"العرب نور الله في الأرض، وفناؤهم ظلمة، فإذا فنيت العرب أظلمت الأرض وذهب النور".
(المرجع السابق)


لذلك على أفراد الجماعة التضرع بين يدي المولى القدير أن يحفظ العرب، فلا يبيدهم معنويا، ولا يهلكهم ظاهريا. ولقد نصحنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله:
"أحِبُّوا العرب لثلاث، لأني عربي، والقرآن عربي، وكلام أهل الجنة عربي".
(مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي، كتاب المناقب، باب ما جاء في فضل العرب، وكنـز العمال رقم الحديث 33922)



وقال صلى الله عليه وسلم أيضا:
"أحبوا العرب وبقاءهم، فإن بقاءهم نور في الإسلام، وإن فناءهم ظلمة في الإسلام."

كما قال صلى الله عليه وسلم:
"من غش العرب لم يدخل في شفاعتي، ولم تنله مودتي."
(الترمذي، أبواب المناقب، باب في فضل العرب)


…. لقد سار المسيح الموعود عليه السلام على خطى سيده المصطفى صلى الله عليه وسلم، فكان يحب العرب حبا جما، فدعا للعرب كثيرا وعلّمنا محبتهم. وها إني أنقل إليكم ما كتبه في هذا الموضوع، حتى تكونوا على مرتبة محبته لهم.. ولتتوجهوا بالدعاء لإخوتكم العرب بروح التضرع والتواضع والإخلاص.

بدأ المسيح الموعود عليه السلام بالكلام أولا عن صلحاء العرب الذين يحملون بين جوانحهم فطرة سليمة، وفؤادا طيبا، ومن بين هؤلاء من آمن به وصدقّه، رغم ما صادفهم من مقاومة وعقبات في طريق صدقهم ووفائهم. فكتب المسيح الموعود عليه السلام يقول:
"صرف (الله) إلي نفرًا من العرب العرباء، فبايَعوني بالصدق والصفاء، ورأيت فيهم سمة الصدق ونور الإخلاص، وحقيقة جامعة لأنواع السعادة. وكانوا متصفين بحسن المعرفة، بل بعضهم كانوا فائضين في العلوم والأدب، وفي القوم من المشهورين..
وإني معكم يا نجباء العرب بالقلب والروح. وإن ربي قد بشرني في العرب وألهمني أن أمونهم وأريهم طريقهم، وأصلح لهم شؤونهم وستجدونني إن شاء الله من الفائزين.
أيها الأعزة! إن الرب تبارك وتعالى قد تجلّى عليّ لتأييد الإسلام وتجديده بأخص التجليات، ومنحني وابلا من البركات، وأنعم علي بأنواع الإنعامات، وبشرني في وقت عبوس للإسلام وعيش بؤس لأمة خير الأنام بالتفضلات والتأييدات والفتوحات، فصبوت إلى إشراككم يا معشر العرب في هذه النعم، وكنت لهذا اليوم من المتشوقين. فهل ترغبون أن تلحقوا بي لله رب العالمين؟"
(حمامة البشرى)


ثم بشر عليه السلام العرب قائلا:
"وإني أرى أن أهل مكة يدخلون أفواجا في حزب الله القادر المختار. وهذا من رب السماء، وعجيب في أعين أهل الأرضين."
(نور الحق)


وأود هنا تنبيه الجماعة إلى ضرورة الدعاء ليحقق الله هذه البشارة في القريب العاجل لنتمكن من مشاهدتها بأعيننا، وما ذلك على الله بعزيز.

ثم كتب عليه السلام قائلا:
"رأيت في مبشرة أرِيُتها جماعةً من المؤمنين المخلصين والملوك العادلين الصالحين. بعضهم من هذا الملك، وبعضهم من العرب، وبعضهم من فارس، وبعضهم من بلاد الشام، وبعضهم من أرض الروم، وبعضهم من بلاد لا أعرفها. ثم قيل لي من حضرة الغيب إن هؤلاء يصدقونك، ويؤمنون بك، ويصلّون عليك، ويدعون لك. وأعطي لك بركات حتى يتبرك الملوك بثيابك، وأدخلهم في المخلصين."
(لجة النور، الخزائن الروحانية ج 16 ص 339-340)


... لقد ألّف المسيح الموعود عليه السلام باللغة العربية كتابا سماه (حمامة البشرى) وتوجه فيه بالبيتين التاليين.
 

"حمامتنا تطير بريش شوق
وفي منقارها تحف السلامِ
إلى وطن النبي حبيب ربي
وسيد رسلـــه خير الأنامِ"


هذه هي الأمة العربية التي فاقت الدنيا إحسانا، فقد أحسن العرب إلينا أن أوصلوا الإسلام لنا، وقد بعث الله نبيه الأمي محمدا المصطفى صلى الله عليه وسلم منهم. ولو لم يكن هنالك من سبب لمحبة العرب إلا هذا الأمر لكان كافيا لمحبتهم والدعاء لهم بنفس الروح والاندفاع الذي دعا لهم به المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام.

فكما أرسل المسيح الموعود عليه السلام تحياته وأدعيته إلى الوطن العربي محمولة على منقار حمامة الشوق، كذلك ينبغي اليوم على كل أحمدي استمطار رحمة السماء على بلاد العرب ليحفظهم الله تعالى من كل الابتلاءات وينورهم بنور هدايته، ويرفع عنهم آلامهم، وينظر إليهم بعين العفو والغفران، وأن يمطرهم بوابل رحمته بجاه المصطفى صلى الله عليه وسلم. اللهم آمين".

هذا ما قاله الخليفة الرابع - رحمه الله تعالى - عن موضوع حب العرب وواجب أفراد الجماعة تجاه إخوانهم من العرب، وهو لا يحتاج إلى تعليق آخر. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 


 

خطب الجمعة الأخيرة