|
حقيقة المسيح الدَّجّال |
فما ومن هو الدجال ؟ غلب في اعتقاد الناس تأثّرا بحرفية الأحاديث التي تذكر الدجال الاعتقاد بأن الدجال رجل يأتي في آخر الزمان ويُحدث فتنة كبيرة في المسلمين، لما له من خوارق وصفات غير اعتيادية. إلا ان هذا المفهوم خاطئ تماما ونابع من الأخذ بحرفية الأحاديث التي من شأنها أن تناقض القرآن الكريم وتناقض بعضها بعضا إذا ما أُخذت على حرفيتها. إلا أن هذه الأحاديث لهي عبارة عن أنباء غيبية لا بد من تأويلها وإخضاعها للقرآن الكريم، وإزالة التناقض بينها والذي منشأه الأخذ بحرفية هذه الأحاديث. خاصة وأن العديد من هذه الأخبار الغيبية جاءة كرؤى وكشوف لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وهذا ما لم ينتبه إليه الكثير من علمائنا الأكارم فقاموا يشرحون هذه الأحاديث متمسِّكين بظاهر ألفاظها معتقدين أنَّها لا تقبل التأويل، فكانت النتيجة أنهم وضعوا شروحاً وتفاسير بعيدة عن الحقيقة قريبة من الخيال، غير قابلة التَّحقُّق والظهور. وممّا يؤكِّد أنّ أحاديث الدَّجّال كانت نتيجة كشوف ورؤى رآها النبي صلى الله عليه وسلم في منامه ما ورد في صحيح البخاري ومسلم، وإليك أخي نَصَّه: [ وأراني الليلة عند الكعبة في المنام:..... ثمّ رأيت وراءه رجلاً جعداً قططاً أعور العين اليمنى، كأشبه ما رأيت بابن قطن، واضعاً يديه على منكبي رجل يطوف بالبيت فقلت من هذا ؟ قالوا: المسيح الدّجَّال ]. والحقيقة أنَّ علم تأويل الرؤيا هو علم إلهي وهذا ما تعلّمناه من القرآن المجيد، يقول تعالى في سورة يوسف: {كذلك ولنعلمه من تأويل الأحاديث}.
فمثلاً: رأى الرسول صلى الله عليه وسلم مرّةً في منامه أبا جهل في الجنّة، فقال عليه السلام: [ ما لأبي جهل والجنّة ] فلمّا أسلم ولدُه عكرمة بن أبي جهل أوَّل بذلك وعرف حقيقة الرؤيا بأنّ المقصود بالرؤيا عكرمة وليس أبو جهل. وأكبر مثال على ذلك ما ذكره جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن ابن صيّاد وقصّته مع الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما اللذين اعتقدا أنَّه المسيح الدَّجّال وقال عمر رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم: ائذَنْ لي فأقتله يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن يكن هو فلستَ صاحبه). وبتتبع هذه الأحاديث والتدقيق فيها وفي تفاصيلها نصل إلى نتيجة لا شكّ فيها، بأن الدجال الذي سيتصدى له المسيح الموعود هو الأمة المسيحية –وبالأخص القساوسة، والفلاسفة والمفكرون المتعصبون - التي ستسعى لترويج المسيحية المحرفة المزورة، وهي التي ستحمل عقيدة الصليب الفاسدة، وستروج للخنزيرية والإباحية، وهي التي ستشن عدوانا على الإسلام بالشبهات والحجج المزورة والتي يريدون بها إبطال الإسلام والإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وهذه الأمة ستعمل على الدجل والتحريف والتزوير وطمس الحقائق، ومحاولة إظهار المسيحية المحرفة وكأنها هي الحق رغم ما تحتويه من فساد وتناقضات، ومحاولة إظهار الإسلام وكأنه الشرُّ بعينه. وأما ما جاء من أوصاف الدجال وخروج يأجوج ومأجوج معه ودابته وقدراته وأعماله ومسيرته ومكثه فإنما هي نبوءات تفصيلية عما سيحوزه من تقدم علمي، وما سيصنعه من وسائل مواصلات، وعن تحركاته وأبرز الأماكن التي سيقوم فيها بأعمال لها وقعها، والزمان والأماكن التي سيلقى فيها الهزيمة. فمن العجيب أن الله تعالى قد جعل في تسمية الفتنة وتسمية الموعود ما يكشف بجلاء سرهما؛ فالفتنة سُميت بفتنة المسيح الدجال لتشير إلى أنها فتنة المسيحية المحرفة الدجالية التي ستخرج في آخر الزمان وستسعى للترويج لها بالدجل والكذب، كما سمى المبعوث الموعود الذي سيتصدى لها بالمسيح في إشارة إلى أنه سيكون المسيح الحق مقابل مسيح الضلالة! ومع ذلك نرى أن البعض مع الأسف يتمسكون بفهم حرفي خرافي لأحاديث الدجال، ويظنون أنه رجل، على ما في هذا الفهم من تناقضات كبيرة، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عدّ فتنته أشد فتنة على الإطلاق منذ خلق آدم إلى قيام الساعة: {مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ فِتْنَةٌ أَكْبَرُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ} (مسند أحمد، كتاب أول مسند المدنيين رضي الله عنهم أجمعين) ومع أنه كان يستعيذ من فتنته في كل صلاة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو وَيَقُولُ: {اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ} (صحيح البخاري، كتاب الجنائز). أما ادعاء البعض أن إقرار النبي صلى الله عليه وسلم بأن ابن صياد كان الدجال دليل على أنه رجل فهذا لا يحمل على هذا المحمل، بل المقصود أن ابن صياد نفسه كان دجالا – مع أنه قد تاب لاحقا وأسلم- ولكنه لم يكن الدجال المعهود الذي تذكره الأحاديث الأخرى، كما أن هذا لا يفيد أن الدجال المعهود رجل آخر. وقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم إشارات إلى أن الدجال قوم وأنهم سيخرجون بعد فتح الروم ومنها: وقد فُتحت الروم بسقوط القسطنيطينة عام 1453م، وبعدها بدأ الغرب المسيحي بحركة الاستكشاف الجغرافي والاستعمار، وبعدها بفترة وجيزة طُرد المسلمون من الأندلس واكتُشفت أمريكا في عام 1492م، ثم انتقل الغرب لاحتلال البلاد الإسلامية حتى بلغ الاستعمار أوجه في نهاية عصر الخلافة العثمانية. كذلك نرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد وجه في الحديث إلى فواتح وخواتم سورة الكهف للاستعاذة من الدجال، ونجد أن فواتح سورة الكهف تحوي إنذارا للقوم الذين قالوا اتخذ الله ولدا (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا) (الكهف 5) وخواتمها تنبئنا عن القوم الأخسرين أعمالا والذين يقول الله تعالى عنهم: (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) (الكهف 105). فيثبت من كل ما سبق بوضوح أن الدجال هم قوم، بل ويتبين من القرآن الكريم والحديث الشريف مَن هم ووقت خروجهم. كما لا بدّ من الإشارة إلى أنه لا يقتصر عمل الدجال على ترويج المسيحية المحرفة فحسب، بل يسعى أيضا بالخبث والدجل والتزوير لترويج الفكر الإلحادي فرارا من التناقضات ونقاط الضعف في العقيدة المسيحية. ومن معاني أنه مسيح دجال أنه يبطن المسيحية أحيانا دجلا ويظهر بثوب الملحد العلماني النافر من الأديان كلها والكافر بالإله، وما يهمه هو محاربة الإسلام والإله الحق. لذلك فالفكر الإلحادي هو داخل في نبأ المسيح الدجال أيضا. كما ورد في الأحاديث تفاصيل كثيرة عن المسيح الدجال، وجاء فيه أنه رجل أعور العين اليمنى أو ممسوحها – وأحيانا أعور العين اليسرى- وعينه اليسرى كأنها عنبة طافية أو كأنها كوكب دري أو كأنها زجاجة خضراء، وأنه مكتوب على جبينه كافر يتبينه المؤمن القارئ وغير القارئ، وأنه يأمر السماء فتمطر ويأمر الأرض فتنبت، وأنه يأمر خيرات الأرض فتتبعه كيعاسيب النحل، وأنه يشق الرجل نصفين ثم يعيده مرة أخرى، وأن معه كمثل الجنة والنار، كما ورد أنه سيأتي على حمار هائل يسبق الشمس إلى مغربها ولا يعرف قبله من دبره. كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم حديث تميم الداري رضي الله عنه الذي رآه في رؤيا في جزيرة موثوقا في كنيسة. بالنظر في هذه الأحاديث وتأويلها على ضوء أن الدجال سيكون تلك الأمم المسيحية التي ستحمل المسيحية المحرفة والإلحاد، فسيتم اكتشاف جوانب عديدة ونبوءات تفصيلية مبهرة تؤكد صدق النبي صلى الله عليه وسلم. نظرة في أحاديث الدجال: لنستمع معاً إلى ما رواه نعيم والحاكم في المستدرك عن ابن مسعود رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في فتنة الدجّال: وروى عمران بن حصين رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة خلق أكبر من الدجّال) صحيح مسلم ـ وجاء في تفسير هذا الحديث في صحيح مسلم: المراد: ليس هنالك أكبر فتنة منه. وعن سَفينةَ مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خَطَبَنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال: [ ألا لم يكن نبيٌّ قبلي إلاّ قد حّذَّرَ الدجّال أُمَّتَهُ ]. لهذا كان اهتمام الصحابة رضوان الله عليهم بهذا الأمر شديداً لدرجة أن أكثرهم اعتقد أنَّه سيرى الدجّال في حياة النبيّ صلى الله عليه وسلم، أو في زمن أصحابه الخلفاء الراشدين من بعده. وفي الواقع فإنّ الروايات والأحاديث المتضمنة أخبار الدجّال كثيرة جداً إلاّ أنّه يمكننا الاستشهاد بأهمّها وأكثرها وضوحاً لكي نتمكّن من تبسيط الموضوع وتقديمه بشكل يَسْهلُ على القارئ فهمه ومعرفة حقائقه المخفيَّة. ولتوضيح ان المعنى الحقيقي للدجال لهو ما كنا قد اوضحناه في مواضع عدة بأن الدجال لهو الأمة المسيحية –وبالأخص القساوسة والفلاسفة والمفكرون المتعصبون - التي ستسعى لترويج المسيحية المحرفة المزورة، وهي التي ستحمل عقيدة الصليب الفاسدة، وستروج للخنزيرية والإباحية، وهي التي ستشن عدوانا على الإسلام بالشبهات والحجج المزورة والتي يريدون بها إبطال الإسلام والإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ومن هذه الاحاديث ما يلي: 1- {تَغْزُونَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ ثُمَّ فَارِسَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ ثُمَّ تَغْزُونَ الرُّومَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ ثُمَّ تَغْزُونَ الدَّجَّالَ فَيَفْتَحُهُ اللَّهُ قَالَ فَقَالَ نَافِعٌ يَا جَابِرُ لَا نَرَى الدَّجَّالَ يَخْرُجُ حَتَّى تُفْتَحَ الرُّومُ} (صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة)، وجاء في حديث نافع نفسه في سنن ابن ماجه لفظ {ثُمَّ تُقَاتِلُونَ الدَّجَّالَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ} (سنن ابن ماجه، كتاب الفتن) 2- عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجّال ذات غداةٍ فَخَفَّضَ فيه وَرَفَّعَ، حتى ظَنَنّاه في طائفة النخل، فانصرفنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رحنا إليه، فعرف ذلك فينا فقال: (ما شأنكم ؟ فقلنا يا رسول الله ذكرتَ الدجّال غداةً فخَفَّضتَ فيه ورفَّعتَ حتى ظننّاه في طائفة النخل. فقال: غيرُ الدجّال أخوَفُني عليكم إن يخرجْ وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإنْ يخرجْ ولستُ فيكم فامرؤ حجيجُ نَفْسِه، والله خليفتي على كلّ مسلم. فمن أدركه منكم فليقرأ فواتح سورة الكهف، إنه خارجٌ خَلَّةً بين الشام والعراق، فعاث يميناً وعاث شمالاً، يا عباد الله فاثبتوا، قلنا: يا رسول الله / وما لَبْثُه في الأرض ؟ فقال: أربعون يوماً، يومٌ كَسَنةٍ ويومٌ كشَهر ٍ، ويومٌ كجُمعةٍ وسائرُ أيامِهِ كأيّامكم. قلنا يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم ؟ قال: لا، اقدروا له قدره. قلنا: يا رسول الله وما إسراعه في الأرض ؟ قال: كالغيث استدبرته الريح. فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرىً، واسبغه ضروعاً، وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين ليس بأيدهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلاً شاباً ممتلئاً شباباً، فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية الغرض ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك). إذا درسنا هذا الحديث الشريف دراسة موضوعية نخرج بالنتائج التالية:
3- وجاء في حديث تميم الداري أنه رأى الدجال مقيداً بالسلاسل في دير أو كنيسة في جزيرة، وقال: هذه الصورة عن حال الدجال التي صورها الرسول الكريم صلى اللـه عليه وسلم تدل على واقع الدجال قبل خروجه من جزيرته حيث أنه مكبل في كنيسته أو يقع تحت تأثير الكنيسة ومكبل بأغلالها وأنه حينما ينطلق ويخرج يعمل من أجل نشر تعاليمها و بِوَحيها. لذلك قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: (فإن خرج وأنا فيكم فأنا حجيجه) وقال عليه السلام أيضاً: 4- وفي حديث حُذيفة بن أُسَيْد عن الدجّال قال: (يَخرجُ في نَقصٍ من الناس وخِفَّةٍ من الدّين، وسوءِ ذات بَيْن، فَيَردُ كلَّ منهل وتطوى له الأرض طيَّ فَرْوَة الكَبْش). 5- وفي حديث أبي أُمامة الباهلي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: 6- وفي حديث الباهلي رضي الله عنه الذي أكَّدَ فيه عظمة فتنة الدجَال وأنّه لم تكن مثلها فتنة منذ أن خلق اللهُ آدمَ أوّلَ رسول للبشر وأنّه مكتوب بين عينيه كافر يقرأه كاتب وغير كاتب. فخلاصة القول أن كتابة حروف: ك، ف، ر في الحقيقة أمر غير جائز ولا يسيغه العقل الإنساني؛ بل هي استعارة تومئ إلى أن الدجال يلبس الحق بالباطل ويزخرف القول في أعين الناس ويأتي بعقائد فاسدة وخيالات باطلة التي تنزع الإيمان من جذور القلوب، ويظهر على الخلق أنه على الحق وما هو على الحق، ولا يكون له دليل حقيقي على صدقه بل يكون كفره أمرًا بواحًا كأنما تتجلى سمة الكفر على جبينه ويدرى على الفور أنه كافر؛ كأن لفظ الكافر مكتوب بين عينيه ويقرأه كل مؤمن قارئ أو غير قارئ. لأن المؤمن الراسخ في إيمانه يستطيع أن يفرق بين الكفر والإيمان ويتفرس بنور القلب في الأمور الدقيقة ويأمن العقائد المضلة، فلا تزل قدمه. ففي هذا الحديث الشريف وضَّح النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أنّه بالرغم من وضوح كفر الدجّال وبيان خطئه بِدعوته الناس إلى الإيمان والاعتقاد بالمسيح على أنّه الربُّ والإله، مع هذا الوضوح في دعوته الباطلة، وأنّ المسلمين لا يمكن أن ينخدعوا بمثل هذا الكلام فالمُتعلِّم وغير المتعلِّم منهم يعلمُ علمَ اليقين أنّ دعوة الدجّال باطلة وكُفره ظاهرٌ للجميع كأنه مكتوب على جبينه ومطبوع عليه، مع هذا فقد أكْبَرَ النبي صلى الله عليه وسلم فتنة الدجّال وعَظَّمها، لِما يملك الدجّال وَقْتَها من الحِيَلِ والألاعيب المُموَّهة وكذلك لِما يملك من إمكانات وخيرات وكنوز ومخترعات حديثة وتفوّق علمي في كل مجالات الحياة المدنية والعسكرية مِمّا يساعده على إقناع الشعوب وكافّة الناس بالأخذ بِفكرهِ ومعتقداتهِ والوقوف إلى جانبه والاستعانة بعلومه ونظرياته ومخترعاته والاعتماد على مساعداته المادية في كل مجالات الحياة. من هنا جاء خوف النبيِّ صلى الله عليه وسلم من أن تتأثَّر أُمَّتُه بهذه الحضارة المزيّفة التي يدعو إليها الدجّالُ ويعمل من أجلها، خاصةً أنها تكون في تلك الأيام أحْوَج ما تكون إلى تلك المساعدات والمخترعات والتجهيزات المتطوِّرة وبحاجة أكثر إلى علومه المتقدمة في كل مجالات الحياة العامة والخاصة، نظراً لِتفكُّكِها وتراجعها عن ركب الحضارة بسبب انشغالها بتوافه الأمور وافتقارها إلى علماء حقيقيين في شتّى العلوم الدينية والدنيوية. ثمّ يذكر الباهلي رضي الله عنه: إلى المزيد من تفسير أحاديث الدجال الأخرى يرجى الرجوع إلى كتاب" القول الصريح في ظهور المهدي والمسيح" الموجود على موقعنا على الرابط التالي:
|
حِمار الدجّال |
من خلال الأحاديث الشريفة التي تضمَّنت وصف حمار الدجّال نستخلص منها الآتي:
|
المعنى اللغوي للفظ الدجّال |
وردت في معاجم اللغة العربية المعاني التالية:
فاعتماداً على هذا التأويل واعتماداً على ما جاء في معاجم اللغة العربية حول معنى الدجّال من أنّه الكذّاب المُموِّه الذي يسيح في الأرض وأنّه الرفقة العظيمة التي تُغطّي الأرض بكثرة أهلها، واعتماداً على الأوصاف التي وردت على لسان الصّادق الأمين محمد صلى الله عليه وسلم لأحوال الدجّال والتي سبق شرحها، نستنتج من ذلك كلّه أن الدجّال بشكل عام هو شعوب أوربا الغربية وبشكل خاصّ هو سكّان الجزر البريطانية الذين خرجوا من بلادهم بعد عصر الاكتشافات الجغرافية الذي بَدَأَه الأمير هنري ابن ملك البرتغال، وساحوا في الأرض يكتشفونها، ويبحثون عن خيراتها، ويستعمرونها، وقد وزَّعوا الإرساليّات التبشيرية في كلّ أنحاء الأرض لتدعو إلى عبادة المخلوق وَلتُشيع أنّ المسيح ابن الله وأنّ لله ولداً هو عيسى ابن مريم. والله سبحانه وتعالى يقول: (مريم : 88)
ومن أجل هذه الدعوة الباطلة التي يُشيعها الدجّال في الأرض جاء الإنذار الإلهي في فواتح سورة الكهف بأنّ الدجّال إذا استمرّ على هذه الدعوة الباطلة مستعملاً أساليب المكر والتمويه فإنّ عذاب الله ينتظره، يقول تعالى: (الكهف : 4)
ثم يقول تعالى: {إنّا جَعَلْنا ما على الأرض زينةً لها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أحسَنُ عملاً. إنّا لَجاعلونَ ما عليها صّعيداً جُرُزاً}. فالعذاب الذي ينتظر الدجّال الذي يرمز إلى شعوب أوربا الغربية بما فيها إنكلترا وأمريكا لأنّ سكّان أمريكا هم بالأصل من شعوب أوربا الغربية، وهؤلاء جميعاً ينتمون إلى أقوام يأجوج ومأجوج أيضاً الذي أخبَرَنا الله تعالى عن قيام حرب بينهم في آخر الزمان زمن عودة اليهود إلى فلسطين بمساعدة الدجّال ـ أي الإنكليز ـ وشعوب أوربا الغربية، وأنّ هذه الحرب لا مثيل لها، ولم تشهد البشرية قديماً، ولن تشهد حديثاً ما يُشبِهها أو ما يُماثِلها، وأنّ من نتائج هذه الحرب الكونية أن يُقضى على حضارة شعوب أوربا وأمريكا، وأنّه نتيجة استعمال الأسلحة الذرّية ستفقد الأرض خصوبتها وتمتنع عن إنبات أية نبتة بسبب تلوّثها بالإشعاع الذرّي، وهذا ما تُشير إليه الآية الكريمة الأخيرة {وإنّا لَجاعِلون ما عليها صّعيداً جُرزاً} أي أن جميع منشآت الدجّال الحضارية ستتحوَّل إلى تراب مقطع، وأنّ التراب سيمتنع عن إنبات النبات ويصبح جافاً لا حياة فيه. واستمع معي إلى تحديد وصف شعوب الدجّال وأقوام يأجوج ومأجوج وذِكرهم بما اشتُهروا به وكان علامةً خاصّةً بهم، يقول تعالى في سورة طه: (طه:102)
فكلمة زُرقاً تشير إلى أنهم أصحاب العيون الزرق وهم أهل أوربا وأمريكا، إذن فالدجّال هو من ساعد اليهود على استعمار فلسطين واغتصابها، والدجّال هو من اخترع وسائل نقل جديدة تسابق الريح في سرعتها وتُخرِج من خلفها الدخان وصوتها يصل إلى الخافقين من قوّته، والناس يركبون في جوفها، وهي تتَّسع لأكثر من راكب، ويمكن أن يركب فيها أكثر من عشرة أشخاص.. وهي تطير في السماء، وتسبق الشمسَ إلى مغربها، وتغوص في البحار وتصطاد الحيتان، ومنها ما يتغذّى على الفحم الحجري أي القطارات التي تعمل بالقوّة البخارية. والدجّال هو الذي يستخرج كنوز الأرض ويسرقها ثم ينقلها إلى بلاده لينعم بها وحده ويحرم منها أصحابها الحقيقيين من الشعوب المغلوبة على أمرها، وهو الذي يغزو بلاد الشام والعراق فيعيث فيها يميناً ويساراً، وهو الذي يستعمر أكثر بلاد العالم ليستفيد من خيراتها ومواردها وأرزاقها، ويُسخِّر شعوبها لخدمته وخدمة أهدافه اللاإنسانية !.. ألا ينطبق هذا الوصف على الأقوام الغربية وبالأخص قسسهم وعلمائهم الذين وثبوا على الإسلام من أجل هدمه باسم المسيحية وانقضوا على بلاد الإسلام يخيلهم ورجلهم باستعمارهم وسيطرتهم على بلاد المسلمين، فهذا هو الدجّال الذي حَذَّرَنا منه نبيُّنا محمد عليه الصلاة والسلام قبل أربعة عشر قرناً من اليوم، ونَبَّهَنا إلى فتنته ومكائده وأحابيله الماكرة، وقال صلى الله عليه وسلم: (إنْ خرج وأنا فيكم فأنا حجيجه وإنْ خرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه) لأنّ الدجّال يدعو إلى دعوة باطلة، وعلى المسلمين جميعهم أن يردّوا عليه دعوته بالحجّة والدليل والبرهان مصداقاً لقوله تعالى: (البقرة : 111)
صدق الله العظيم وصدق رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم.
|