loader
 

حقيقة المسيح الدجال


ورد في الأحاديث الشريفة أن المسيح الموعود سينزل وتكون إحدى المهام التي يقوم بها هي قتل الدجال، كما في الحديث التالي الوارد في صحيح مسلم:
عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {....فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ بَيْنَ مَهْرُودَتَيْنِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ فَلَا يَحِلُّ لِكَافِرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إِلَّا مَاتَ وَنَفَسُهُ يَنْتَهِي حَيْثُ يَنْتَهِي طَرْفُهُ فَيَطْلُبُهُ (أي الدجال) حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ} (صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة)

فما ومن هو الدجال ؟

غلب في اعتقاد الناس تأثّرا بحرفية الأحاديث التي تذكر الدجال الاعتقاد بأن الدجال رجل يأتي في آخر الزمان ويُحدث فتنة كبيرة في المسلمين، لما له من خوارق وصفات غير اعتيادية. إلا ان هذا المفهوم خاطئ تماما ونابع من الأخذ  بحرفية الأحاديث التي من شأنها أن تناقض القرآن الكريم وتناقض بعضها بعضا إذا ما أُخذت على حرفيتها.
فلا بدّ من التنويه إلى أن خبر نزول المسيح وخروج الدجال جاء في أحاديث كثيرة رواها ما يزيد على عشرين صحابيا، مما يجعله نبأ متواترا، بل لعله من أوثق الأنباء التي يذكرها الحديث الشريف.

إلا أن هذه الأحاديث لهي عبارة عن أنباء غيبية لا بد من تأويلها وإخضاعها للقرآن الكريم، وإزالة التناقض بينها والذي منشأه الأخذ بحرفية هذه الأحاديث. خاصة وأن العديد من هذه الأخبار الغيبية جاءة كرؤى وكشوف لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

وهذا ما لم ينتبه إليه الكثير من علمائنا الأكارم فقاموا يشرحون هذه الأحاديث متمسِّكين بظاهر ألفاظها معتقدين أنَّها لا تقبل التأويل، فكانت النتيجة أنهم وضعوا شروحاً وتفاسير بعيدة عن الحقيقة قريبة من الخيال، غير قابلة التَّحقُّق والظهور. وممّا يؤكِّد أنّ أحاديث الدَّجّال كانت نتيجة كشوف ورؤى رآها النبي صلى الله عليه وسلم في منامه ما ورد في صحيح البخاري ومسلم، وإليك أخي نَصَّه: [ وأراني الليلة عند الكعبة في المنام:..... ثمّ رأيت وراءه رجلاً جعداً قططاً أعور العين اليمنى، كأشبه ما رأيت بابن قطن، واضعاً يديه على منكبي رجل يطوف بالبيت فقلت من هذا ؟ قالوا: المسيح الدّجَّال ]. والحقيقة أنَّ علم تأويل الرؤيا هو علم إلهي وهذا ما تعلّمناه من القرآن المجيد، يقول تعالى في سورة يوسف: {كذلك ولنعلمه من تأويل الأحاديث}.


والحقيقة أن الأحاديث الشريفة التي تتضمَّن أنباء غيبية عن المستقبل لا يمكن لأيّ إنسان مهما كانت درجة علمه أن يعرف كيفية وقوعها قبل أن تقع وتظهر حقائقها للناس، خاصة تلك الأحاديث التي عَلَّمنا إيّاها المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، وكانت تتعلق بكشوف أو رؤى رآها صلى الله عليه وسلم في منامه ومنها أحاديث الدَّجّال ويأجوج ومأجوج.

فمثلاً: رأى الرسول صلى الله عليه وسلم مرّةً في منامه أبا جهل في الجنّة، فقال عليه السلام: [ ما لأبي جهل والجنّة ] فلمّا أسلم ولدُه عكرمة بن أبي جهل أوَّل بذلك وعرف حقيقة الرؤيا بأنّ المقصود بالرؤيا عكرمة وليس أبو جهل.

وأكبر مثال على ذلك ما ذكره جابر بن عبد الله رضي الله عنه عن ابن صيّاد وقصّته مع الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما اللذين اعتقدا أنَّه المسيح الدَّجّال وقال عمر رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وسلم: ائذَنْ لي فأقتله يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن يكن هو فلستَ صاحبه).

وبتتبع هذه الأحاديث والتدقيق فيها وفي تفاصيلها نصل إلى نتيجة لا شكّ فيها، بأن الدجال الذي سيتصدى له المسيح الموعود في آخر الزمان هو الأمة المسيحية –وبالأخص القساوسة، والفلاسفة والمفكرون المتعصبون - التي ستسعى لترويج المسيحية المحرفة المزورة، وهي التي ستحمل عقيدة الصليب الفاسدة، وستروج للخنزيرية والإباحية، وهي التي ستشن عدوانا على الإسلام بالشبهات والحجج المزورة والتي يريدون بها إبطال الإسلام والإساءة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وهذه الأمة ستعمل على الدجل والتحريف والتزوير وطمس الحقائق، ومحاولة إظهار المسيحية المحرفة وكأنها هي الحق رغم ما تحتويه من فساد وتناقضات، ومحاولة إظهار الإسلام وكأنه الشرُّ بعينه.

وأما ما جاء من أوصاف الدجال وخروج يأجوج ومأجوج معه ودابته وقدراته وأعماله ومسيرته ومكثه فإنما هي نبوءات تفصيلية عما سيحوزه من تقدم علمي، وما سيصنعه من وسائل مواصلات، وعن تحركاته وأبرز الأماكن التي سيقوم فيها بأعمال لها وقعها، والزمان والأماكن التي سيلقى فيها الهزيمة.

فمن العجيب أن الله تعالى قد جعل في تسمية الفتنة وتسمية الموعود ما يكشف بجلاء سرهما؛ فالفتنة سُميت بفتنة المسيح الدجال لتشير إلى أنها فتنة المسيحية المحرفة الدجالية التي ستخرج في آخر الزمان وستسعى للترويج لها بالدجل والكذب، كما سمى المبعوث الموعود الذي سيتصدى لها بالمسيح في إشارة إلى أنه سيكون المسيح الحق مقابل مسيح الضلالة!

ومع ذلك نرى أن البعض مع الأسف يتمسكون بفهم حرفي خرافي لأحاديث الدجال، ويظنون أنه رجل، على ما في هذا الفهم من تناقضات كبيرة، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عدّ فتنته أشد فتنة على الإطلاق منذ خلق آدم إلى قيام الساعة: {مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ فِتْنَةٌ أَكْبَرُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ} (مسند أحمد، كتاب أول مسند المدنيين رضي الله عنهم أجمعين) ومع أنه كان يستعيذ من فتنته في كل صلاة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو وَيَقُولُ: {اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ} (صحيح البخاري، كتاب الجنائز).

أما ادعاء البعض أن إقرار النبي صلى الله عليه وسلم بأن ابن صياد كان الدجال دليل على أنه رجل فهذا لا يحمل على هذا المحمل، بل المقصود أن ابن صياد نفسه كان دجالا – مع أنه قد تاب لاحقا وأسلم- ولكنه لم يكن الدجال المعهود الذي تذكره الأحاديث الأخرى، كما أن هذا لا يفيد أن الدجال المعهود رجل آخر.

وقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم إشارات إلى أن الدجال قوم وأنهم سيخرجون بعد فتح الروم ومنها:
{تَغْزُونَ جَزِيرَةَ الْعَرَبِ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ ثُمَّ فَارِسَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ ثُمَّ تَغْزُونَ الرُّومَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ ثُمَّ تَغْزُونَ الدَّجَّالَ فَيَفْتَحُهُ اللَّهُ قَالَ فَقَالَ نَافِعٌ يَا جَابِرُ لَا نَرَى الدَّجَّالَ يَخْرُجُ حَتَّى تُفْتَحَ الرُّومُ} (صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة)، وجاء في حديث نافع نفسه في سنن ابن ماجه لفظ {ثُمَّ تُقَاتِلُونَ الدَّجَّالَ فَيَفْتَحُهَا اللَّهُ} (سنن ابن ماجه، كتاب الفتن) تأكيدا على أن الدجال قوم كما كان العرب والفرس والروم.

وقد فُتحت الروم بسقوط القسطنيطينة عام 1453م، وبعدها بدأ الغرب المسيحي بحركة الاستكشاف الجغرافي والاستعمار، وبعدها بفترة وجيزة طُرد المسلمون من الأندلس واكتُشفت أمريكا في عام 1492م، ثم انتقل الغرب لاحتلال البلاد الإسلامية حتى بلغ الاستعمار أوجه في نهاية عصر الخلافة العثمانية. كذلك نرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد وجه في الحديث إلى فواتح وخواتم سورة الكهف للاستعاذة من الدجال، ونجد أن فواتح سورة الكهف تحوي إنذارا للقوم الذين قالوا اتخذ الله ولدا (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا) (الكهف 5) وخواتمها تنبئنا عن القوم الأخسرين أعمالا والذين يقول الله تعالى عنهم: (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا) (الكهف 105). فيثبت من كل ما سبق بوضوح أن الدجال هم قوم، بل ويتبين من القرآن الكريم والحديث الشريف مَن هم ووقت خروجهم.

كما لا بدّ من الإشارة إلى أنه لا يقتصر عمل الدجال على ترويج المسيحية المحرفة فحسب، بل يسعى أيضا بالخبث والدجل والتزوير لترويج الفكر الإلحادي فرارا من التناقضات ونقاط الضعف في العقيدة المسيحية. ومن معاني أنه مسيح دجال أنه يبطن المسيحية أحيانا دجلا ويظهر بثوب الملحد العلماني النافر من الأديان كلها والكافر بالإله، وما يهمه هو محاربة الإسلام والإله الحق. لذلك فالفكر الإلحادي هو داخل في نبأ المسيح الدجال أيضا.

كما ورد في الأحاديث تفاصيل كثيرة عن المسيح الدجال، وجاء فيه أنه رجل أعور العين اليمنى أو ممسوحها – وأحيانا أعور العين اليسرى- وعينه اليسرى كأنها عنبة طافية أو كأنها كوكب دري أو كأنها زجاجة خضراء، وأنه مكتوب على جبينه كافر يتبينه المؤمن القارئ وغير القارئ، وأنه يأمر السماء فتمطر ويأمر الأرض فتنبت، وأنه يأمر خيرات الأرض فتتبعه كيعاسيب النحل، وأنه يشق الرجل نصفين ثم يعيده مرة أخرى، وأن معه كمثل الجنة والنار، كما ورد أنه سيأتي على حمار هائل يسبق الشمس إلى مغربها ولا يعرف قبله من دبره. كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم حديث تميم الداري رضي الله عنه الذي رآه في رؤيا في جزيرة موثوقا في كنيسة. بالنظر في هذه الأحاديث وتأويلها على ضوء أن الدجال سيكون تلك الأمم المسيحية التي ستحمل المسيحية المحرفة والإلحاد، فسيتم اكتشاف جوانب عديدة ونبوءات تفصيلية مبهرة تؤكد صدق النبي صلى الله عليه وسلم.

 


 

خطب الجمعة الأخيرة