فيما يأتي سأحاول أن أتناول كل هذه الموضوعات بشرح موجز، والله الموفِّق والمستعان. |
تعريف الخلافة |
أول سؤال يتبادر للذهن في هذا الصدد هو تعريف الخلافة، أي ما المراد من أمر الخلافة وأي شيء يسمى نظام الخلافة؟ فاعلموا أن الخلافة كلمة عربية تعني لغويا المجيء بعد أحد أو خلفه، أو القيام مقامه أو النيابة عن الغير. أما في المصطلح الديني فكلمة الخليفة تستخدم بمعنيين:
|
ضرورة الخلافة |
والسؤال الثاني هو عن ضرورة الخلافة، أي لأي غرض يتأسس نظام الخلافة؟ فاعلموا أنه لا يخلو فعل من أفعال الله من الحكمة، ولما كان عمر الإنسان في سننه الكونية محدوداً، ومهمة الإصلاح تقضي الإشراف والتربية لأمد طويل لذا فقد سنّ الله بعد النبوة نظام الخلافة لتتم بعد وفاة النبي مهمتُه بواسطة خلفائه. فكأن البذر الذي يُزرع بيد النبي ينميه الله عن طريق الخلفاء حتى يأمن الأخطار الابتدائية ويصبح دوحةً عظيمة. ومن هنا يتضح أن نظام الخلافة في الحقيقة فرعٌ لنظام النبوة وتتمته. ولهذا قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من نبوة قط إلا تبعتها خلافة". |
قيام الخلافة |
بما أن نظام الخلافة فرع لنظام النبوة وتتمة له لذلك جعل الله قيامَه بيده مثلما هو الأمر للنبوة لكي يتولى منصب الخلافة من يكون في علم الله أصلحُ شخص وأجدر لحمل هذا الحمل من الناس الموجودين وقت الانتخاب. وبما أن جماعة المؤمنين تكون قد نشأت بعد بعثة النبي وتكون قد تربت تحت فيوض النبوة لذلك يجعل الله للمؤمنين أيضا نصيبا في انتخاب الخليفة لكي يجدوا في صدورهم انشراحا وانبساطا في مؤازرته والامتثال لأوامره. وهكذا فإن انتخاب الخليفة يصطبغ بصبغة ممزوجة بشكل غريب حيث يتم انتخاب الخليفة على أيدي المؤمنين في الظاهر لكنه في واقع الأمر يأتي تحقيقًا لقضاء الله وقدره بحيث يتحكم الله في قلوب المؤمنين ويصرفها إلى شخص ذي الكفاءة المطلوبة لذلك المنصب. |
أمــارات الخلافة |
ثم ينشأ التساؤل عن أمارات الخلافة التي بها يمكن معرفة الخليفة الحق؟ فاعلموا أن للخليفة الحق علامتين بارزتين كما يثبت من القرآن والحديث. أولاهما هي تلك التي ذُكِرت في سورة النور في قوله تعالى: |
بركـات الخــلافة |
إن نظام الخلافة - كما ذُكِر أعلاه - نظام جد مبارك يُطلع الله به قمرَ النبوة بعد الغروب الظاهري لشمسها ويعصم الجماعة الإلهية من أضرار تلك الصدمة التي تقع كالكارثة على الجماعة الحديثة الولادة بعد وفاة النبي. إن مهمة النبي كما يثبت من القرآن الكريم تتمثل في تعليم جماعة المؤمنين دينيا وتربيتهم الروحية والأخلاقية ولمّ شملهم وتنظيمهم بالإضافة إلى تبليغ الهداية، وكل هذه الأعمال تنتقل بعد وفاة النبي إلى الخليفة الحالي الذي يحمي الجماعة من التشرذم ويُبقيها منظومة في سلك متين واحد. |
صـلاحيات الخليفة |
أما فيما يتعلق بصلاحيات الخليفة فيجب أن تتذكروا نقطة أساسية لاستيعاب هذا الأمر، وهي أن الخلافة مؤسسة روحية ينـزل فيها حق الحكومة من الأعلى إلى الأسفل (أي من الله تعالى إلى خليفته في الأرض) وبما أن نظام الخلافة فرع للنبوة، ومن ناحية أخرى قد اكتملت الشريعة إلى الأبد، لذا كما تحوز النبوة بصلاحيات واسعة داخل حدود الشريعة كذلك فإن الخلافة هي الأخرى تحظى بصلاحيات واسعة داخل حدود الشريعة والسنة النبوية. أي أن الخليفة حائز على أوسع الصلاحيات لتنظيم الجماعة الإلهية وتنسيقها ضمن حدود الشريعة الإسلامية وداخل نطاق سنة نبيه المتبوع. |
مسألة عزل الخليفة |
إن الذين لا يدركون منـزلة الخلافة ومكانتها السامية يتخبطون أحيانا لسفاهتهم في مسألة عزل الخليفة. إنهم يعتبرون الخلافة نظاما دنيويا على غرار الأنظمة الديمقراطية الأخرى ومن ثم يبحثون عن طريق لخلع الخليفة حسب الضرورة. وهذا الخيال ينمّ عن الجهل والغباء، وينجم عن عدم إدراك المنـزلة الحقيقية للخلافة. فالحقيقة - كما ذكرنا آنفا - أن الخلافة نظام روحاني يستند إلى قدر خاص من الله كتتمة النبوة، وإن كان فيه - حسب مشيئة الله - دخل لرأي الناس أيضا في بادئ النظر، لكنه في الحقيقة يقوم تحت مشيئة الله الخاصة. ثم إن الخلافة من أسمى النعم الإلهية فلا ينشأ سؤال عن عزل الخليفة في شكل من الأشكال. (سنن الترمذي، كتاب المناقب)
وهذا الحديث الموجز يتضمن فلسفة القيام المبارك للخلافة كما يميط اللثام عن الحركات الخبيثة لعزل الخليفة. ثم لا يفكر هؤلاء السفهاء في أنه إذا كان الله هو الذي يختار الخليفة ومع ذلك يجوز النقاش حول عزله فلِمَ لا يجوز إذاً عزل النبي والعياذ بالله؟ فالحق أن مسألة عزل الخليفة لا يمكن طرحها على بساط النقاش نهائياً. وثمة سبيل وحيد فقط لعزل الخلفاء المزعوم على شاكلة الأنبياء ألا وهو أن يرفعهم الله من الدنيا بالموت. فإذا ثبت بصورة قطعية أن الله هو الذي يجعل الخليفة، كما يعلن القرآن مرارا وكما صرّح بذلك سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخصوص خلافة سيدنا أبي بكر رضي الله عنه وخلافة سيدنا عثمان رضي الله عنه، فلا يمكن أن ينشأ سؤال عزل الخليفة في قلب مؤمن صادق ولا لحظة واحدة. إن الإسلام دين النظام والنسق لدرجة لا يسمح لأتباعه بالتمرد حتى ضد الحكام الدنيويين العاديين أو من الذين يصلون إلى سدة الحكم بناء على رأي الناس أو التوارث فقط، "إلا أن تروا كفرا بوّاحا"، في تصرفاتهم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهل يمكن أن يسمح بخلع خلفاء الله وخلفاء النبي الطاهرين؟ هيهات هيهات بما تؤمرون!
|
الخاتمة... |
يجب علينا أن نسعى للحفاظ على الخلافة باعتبارها وراثة النبوة في تلاوة آيات الله، وفي تزكية نفوس المؤمنين، وفي تعليمهم الكتاب والحكمة، وفي وحدة صفهم، وفي المحافظة على كيانهم وتوثيق العلاقات بينهم في هذا العالم الواسع. |
حضرة مرزا بشير أحمد رضي الله عنه |
ترددات قناة mta3 العربية:
Hotbird 13B: 7° WEST 11200MHz 27500 V 5/6
Eutelsat (Nile Sat): 7° WEST-A 11392MHz 27500 V 7/8
Galaxy 19: 97° WEST 12184MHz 22500 H 2/3
Palapa D: 113° EAST 3880MHz 29900 H 7/8