افتتاح "مسجد طاهر" في كاتفورد، المملكة المتحدة
خطابين لحضرة أمير المؤمنين نصره الله ________
في الحادي عشر من شباط 2012، افتتح مرزا مسرور أحمد (أيده الله تعالى بنصره العزيز)، الخليفةُ الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي (عليه السلام)، إمامُ الجماعة الإسلامية الأحمدية العالمية، مسجد "طاهر" في كاتفورد، لندن. وقد أُقيم حفل استقبال في المساء بمناسبة هذا الافتتاح حضره عدد من الشخصيات الهامة والمهنيين والضيوف والسكان المحليين. وقد هنأت السيدة هايدي ألكسندر، عضوةُ البرلمان، الجماعةَ الإسلامية الأحمدية على افتتاح المسجد وقالت إنها تتطلع إلى العمل والتعاون مع الجماعة في المستقبل. كما هنأ رئيس بلدية لويشام، السير ستيف بولوك، الجماعةَ الإسلامية الأحمدية وقال إن حصول أية جالية على مكان خاص بها يُعدُّ أمرًا هامًا جدًا كما يُعدُّ من وسائل النمو ومن المؤشرات عليه. وقد شكر كلٌّ من عضوة البرلمان هايدي ألكسندر والسير ستيف بولوك الجماعةَ الإسلامية الأحمدية على ما تقدمت به - بمناسبة افتتاح المسجد- من تبرعات للجمعيات الخيرية المحلية التي رشحاها. وحضر حفل الافتتاح أيضا: ميرسي أدو، من جمعية لويشام الخيرية لإعانة الشباب، حيث قدم مرزا مسرور أحمد (أيده الله تعالى بنصره العزيز) شيكًا وهديةً لهذه الجمعية، كذلك حضر الحفل رئيس المفتشين في قسم شرطة لويشام سيمون ديفيس. وقد اختُتم الحفل بخطاب ألقاه مرزا مسرور أحمد (أيده الله بنصره العزيز).
وفيما يلي: الخطاب الذي ألقاه أمير المؤمنين نصره الله بهذه المناسبة الطيبة
أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمّدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرّجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم.
ضيوفَنا الكرام جميعا، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. نجتمع اليوم من أجل افتتاح مسجدنا الجديد، "مسجد طاهر"، في هذه المنطقة من لندن. لقد كانت لدى المسلمين الأحمديين القاطنين هنا رغبةٌ عميقةٌ في بناء مسجد أحمدي ومركز في هذه المنطقة، لأنهم أرادوا أن يكون لهم مكان يجتمعون فيه لعبادة الله تعالى مما سيسهل لهم ممارسة حياتهم الدينية والروحية. ولهذا، فإن هذا المسجد يشكّل أهمية بالغة وعظيمة للمسلمين الأحمديين الذين يعيشون في هذه المنطقة.
وهنا لا بد لي أن أذكر أنه لم يكن بوسعنا بناء هذا المسجد دون المساعدة والدعم الذي قدّمه المجلس المحلي والسلطات المحلية والمواطنون القاطنون في هذه المنطقة. ولهذا السبب، فإنني أنتهز هذه الفرصة لتقديم الشكر أولاً لكل فرد تعاون معنا تعاونًا كاملا وساعدَنا في بناء هذا المسجد، مع أنهم ليسوا من أعضاء الجماعة الإسلامية الأحمدية. بدايةً، يسرّني أن أشكركم جميعًا، ضيوفَنا المحترمين، على حضوركم افتتاح مسجدنا اليوم. يبدو جليًا من هذه اللفتة الكريمة منكم أنكم، مع أنكم لا تحملون العقائد الإيمانية نفسها التي نعتقد بها نحن المسلمين الأحمدين، إلا أنكم ترغبون في وضع هذه الاختلافات جانبا، لأن لديكم تقديرًا كبيرًا واهتمامًا للقِيَم الإنسانية ولاحترام مشاعر الآخرين. إنكم أناس تشاطرون الآخرين في فرَحهم وتَرَحِهم. هذه هي القِيم الأصيلة التي يمكن أن ترتقي بالإنسانية. إنها تلك الصفات الهامة والمتطلبات الضرورية لنشر الحب والتعاطف في عالمنا اليوم.
إن تعاليم الإسلام واضحة تمام الوضوح. نحن كمسلمين مأمورون بأن نعُدَّ قطعا أن دين كل شخص هو أمرٌ بيْنه وبين الله تعالى. إن كتابنا، القرآن الكريم، واضح تمام الوضوح في التأكيد أنه ينبغي ألا يكون هنالك إكراه في الدين (البقرة: 257). وبغض النظر عن الدين، فإنه من الضروري تماما لكل شخص أن يؤدي الحقوق الواجبة عليه لأخيه الإنسان، لأن هذا هو السبيل الوحيد لإنشاء جوٍّ من السلام والوئام والانسجام. وهنا غالبًا ما يُطرح سؤال وهو: كيف ينبغي معاملة أناس غير متدينين؟ نحن نؤمن إيمانًا جازما بأن هذا الأمر سيحكم الله تعالى فيه في الآخرة وهو يختص بالله تعالى وحده. وعلى كل حال، من ناحية أخرى، هنالك أناس يسعون باستمرار لتدمير سلام المجتمع لأنهم يفشلون في تأدية الحقوق الواجبة عليهم تجاه الآخرين. إن هؤلاء الناس سوف يتعرضون للعقاب الإلهي في العالم الآخر، ولكن ذلك أيضا لن يحول عادةً دون أن يحاسَبوا ويقدَّموا للعدالة في هذه الدنيا أيضا.
لقد بدأ الله تعالى كتابه المقدس، القرآن الكريم، بقوله: {الحمد لله رب العالمين} (الفاتحة: 2).. أي أن الحمد يرجع إلى الله الذي هو رب كل العوالم. هذه الكلمات تعلِّمُنا أن الله تعالى هو رب كل العوالم، وهو الذي يربي الكون كله ويرقّيه من درجاتٍ دنيا إلى درجاتٍ عليا ويحفظه. إن الكلمة العربية "عالم" تُستخدم لتشمل كل شعوب الأرض، وتشمل كل العصور والفترات أيضا.
وهذه الكلمات القليلة لا يكررها المسلمون في كل صلاة فحسب، بل في كل ركعة من صلواتهم. لذلك، فإن في هذه الكلمات القليلة درسًا في غاية الأهمية لكل مسلم حقيقي، وهو أنه ينبغي على الإنسان أن يتذكر دومًا أنه مِنْ خلْق الله تعالى وأن الله تعالى يراقبه باستمرار. إنه هو الله وحده الذي نعبده، وهذا لأنه رب العالمين، خالقُ كل شيء وحافظُه. وقد علّمَنا القرآن الكريم أيضا أن البشر هم أسمى مخلوقات الله تعالى. إن الشمس والهواء والماء والأشياء الأخرى التي لا تعدّ ولا تحصى في الأرض وفي السماء إنما هي مسخَّرة لخدمة خلْق الله تعالى. ولما كان الإنسان هو أسمى مخلوقات الله تعالى، فقد أعطاه الأفضلية على المخلوقات والأنواع الأخرى من الحياة، وبالتالي فإن الأنواع المختلفة من المخلوقات قد سُخِّرت لخدمة الإنسان. لقد صمّمها الله تعالى خاصة ًلخدمة الجنس البشري من أجل ضمان استمرار حياة البشر في أحسن الظروف. بعض هذه التسهيلات والنعم قد منحها الله تعالى للبشر كافة دون تمييز، وهي لا ترتبط بدين الإنسان، كما لا ترتبط حتى بإيمانه بوجود الله. وهكذا، فإن الله تعالى برحمانيته، قد أعطى نعمًا كثيرة للبشر جميعًا دون تمييز، بغض النظر عن دينهم وعرقهم أو طبقتهم أو معتقدهم وإيمانهم، ومن هذه النعم يستفيد البشر جميعا.
إلا أن بعض الناس لديهم صلة خاصة مع الله تعالى. مَن هم هؤلاء الناس؟ إنهم أولئك الذين يعبّرون عن الحمد والشكر والامتنان لله تعالى ويركعون أمامه بسبب النعم والمنن التي منحهم إياها. إن هؤلاء الناس يؤمنون به حق الإيمان بأنه هو ربهم، كما يؤمنون برسله أجمعين. هؤلاء هم الذين يتلقون، بفضل رحيمية الله تعالى، نِعمَه الخاصة المميزة. إن نتائج هذه العلاقة والرابطة مع الله تعالى مشهودة في هذا العالم يوميا. وبعد الموت، فإن هؤلاء الناس سوف يحظون بمعاملة خاصة من الله تعالى أيضا. لذلك، فإن من دواعي تكرار المسلمين تلاوة "رب العالمين" في صلواتهم أن يفهموا أن عليهم أن يسعوا ليتحلَّوا بصفات الله تعالى في دائرتهم المحيطة إلى أقصى حد يستطيعونه. لهذا نحن نتلو هذا الدعاء في صلواتنا مرة تلو أخرى، وهذا هو السبب في أننا نبدأ به كل ركعة من صلواتنا، ونكرره بما لا يقلّ عن اثنين وثلاثين مرة يوميا. وبأخذ ذلك بعين الاعتبار، فإنه من الضروري للمسلم ألا يغتصب حقوق الآخرين، بل عليه أن يضع جانبًا كل الاختلافات الدينية والوطنية والعرقية في سعيه لأن يصبح وسيلة لمساعدة الآخرين ويحبهم.
على المسلم أن يسعى للاستفادة من كل الكفاءات والقدرات التي يمتلكها لمساعدة بني جنسه وخدمتهم. وعلى كل مسلم أن يبذل أقصى ما في وسعه ليؤدي حقوق الآخرين عليه. إن المسلم، في كل صلاة يؤديها، يتذكر أن الله تعالى هو الرحمن والرحيم. "الرحمن" تعني أن الله تعالى ينعم باستمرار على خلقه بكل النعم حبًا لهم، ودون حتى أن يطلبوها. أما "الرحيم" فتعني أن الله تعالى يستجيب لدعاء خلْقه وصلواتهم وطلباتهم. وكما أوضحتُ سابقا، فإن الله تعالى قد أمر المسلم الحقيقي أن يحاول أن يعكس صفاتِه تعالى. ومن ثم، فإن من واجبه أن يرحم أخاه الإنسان وكل مخلوقات الله تعالى. لأجل هذا السبب، لو جاء المسلمَ أحدٌ طالبًا المساعدة، فمن واجبه أن يبذل كل ما في وسعه لمساعدته ولتلبية حاجته.
وبأخذ كل ذلك بعين الاعتبار، فهل يمكن للمسلم الحقيقي الذي يؤمن بالله ويعبده بطريقة سليمة أن يفكّر في اغتصاب حقوق الآخرين لحظةً؟ كيف يمكن ذلك وهو يعلم أنه سيكون عرضة للعقاب الإلهي لو فشل في اتباع أوامر الله تعالى؟ فمن ناحية، زوّد الله تعالى خَلْقَه بالكثير مما يلزمهم لعيشهم الكريم وبقائهم، فكيف يمكن إذًا، من ناحية أخرى، للمسلم الحقيقي الذي يدعي أنه يؤمن بالله تعالى أن يسعى للقضاء على خلق الله تعالى وإزهاق أرواحهم؟
فكما قلتُ، فإنه من المستحيل للمسلم الحقيقي أن يتصرف بهذه الطريقة، لأن هذه الأفعال تتناقض مع قوانين الله تعالى وتعاليمه. إننا، نحن المسلمين الأحمديين، ندّعي أننا قد آمنّا بإمام الوقت، مرزا غلام أحمد القادياني (عليه السلام)، ونؤمن أنه المسيح الموعود. إنه هو الذي أسّس جماعتَنا، وألقى الضوء على التعاليم الحقيقية للإسلام. وبقبوله والإيمان به، فإننا نعمل وفق التعاليم الحقيقية التي يجب على المسلم أن يعمل وفقها. ولهذا السبب، فإننا، نحن أتباعه، نبذل كل مواردنا وطاقاتنا لتزويد البشرية بما تحتاجه بغض النظر عن القومية أو الدين. إضافةً إلى ذلك، فإننا نقدّم الخدمات الصحية والتعليمية في مناطق مختلفة من العالم. إن غايتنا هي خدمة الإنسانية بقدر استطاعتنا. إننا لا نقوم بذلك مدفوعين بأية مصلحة شخصية لنا، وإنما نقوم بذلك طمعًا في رضا الله تعالى وفي التقرب منه.
عندما يدخل الأحمديون مساجدهم، فإن هدفهم الأول هو عبادة الله تعالى. إضافة إلى ذلك، فإن الغرض الآخر الوحيد هو محاولة إيجاد طرق لمساعدة الإنسانية وخدمتهم. كذلك فإن المسلمين الأحمديين أيضا يشاركون بكل اهتمام وحرص في المشاريع والخطط التي يقوم بها خليفتهم من أجل خير الإنسانية ويتساءلون كيف يمكن أن نسهم في هذه المشاريع؟ ولهذا، فإنه إضافةً إلى أن مساجدنا توحّد الناس في عبادة الله تعالى، كذلك فإنها تُعدُّ مكانا للانخراط في جهود مشتركة من أجل خدمة الإنسانية. باختصار، فإننا نؤمن حقًّا بأن لمساجدنا هدفين أساسيين؛ الأول هو عبادة الله تعالى، والثاني هو أن تصبح مكانا للعمل على مشاريع خدمة خلق الله تعالى. إن كلا الهدفين يُعد هامًّا وضروريا، وينبغي القيام به للفوز بمرضاة الله تعالى فحسب. إننا نؤمن حقا أن المساجد التي لا تحقق هذين الهدفين هي في الواقع لا تحقق الغرض الحقيقي لإنشائها.
إنني واثق بأنكم - بالاستماع إلى هذا كلِّه- تتفقون معي بأنه إن كانت تلك هي الأهداف الحقيقية من وراء بناء المساجد، فإنه ينبغي أن يكون هنالك مسجد في كل منطقة. إننا نجد غالبًا أنه بمجرد سماع كلمة "مسجد" أو عقب سماع أن هنالك موافقة على مخطط مسجد يتم تقديمه للمجلس المحلي، يصبح السكان المحليون من غير المسلمين قلقين بل خائفين. إنهم يصبحون مذعورين ظنًّا منهم أن بناء مسجد في منطقتهم سوف يدمّر سلام البلدة. لذلك فهم يبذلون كل ما في وسعهم للحيلولة دون صدور موافقة لبناء مسجد أو مركز. وفي الحقيقة، فإن لهذه الرؤية ما يبررها، لأن بعض الجماعات الإسلامية تدمر سلام العالم بلا شك، ولكن أفعال فئة قليلة من الناس لا ينبغي أن تُعمَّم وتُلصَق بالغالبية كأنها هي الوضع الطبيعي. وفي الحقيقة، إن أفعال فئة قليلة جدًا من الناس ينبغي ألا تُستخدم حجةً لإثارة الاعتراض على ديننا ولجرح مشاعر المسلمين المخلصين والأبرياء في العالم. إن السلام في المجتمع هو عملية ذات اتجاهين، ولا يمكن أن يؤسَّس السلامُ بين جميع الأطراف إلا إذا عملوا سويًّا نحو المصالحة والتفاهم المشترك. وهذا هو السبب الذي يجعل لدى كل مجتمع، بغض النظر عن خلفيته، دورًا يلعبه تجاه تحقيق هذا الهدف. إننا نؤمن بجميع الأنبياء ومؤسسي الأديان، والمسلم الحقيقي لا يستهزئ مطلقا ولا يسيء لأي زعيم ديني أو لأي دين. إن القرآن الكريم، في الحقيقة، يعلِّم أن على المسلم أن يحمي جميع أماكن العبادة لكل الأديان، سواء كانت كنائس النصارى أو اليهود أو المعابد أو أية أماكن عبادة أخرى. ولا شك أن التعاليم الحقيقية للإسلام هي تعاليم سلميِّة وجميلة، وإن السخرية بها لن يؤدي إلا إلى جرح مشاعر المسلمين. ولا شك لدي، وأنا واثق من أنكم تشاطرونني الرأي، في أن جرح مشاعر الناس الأبرياء عمل ظالم وخاطئ. عندما تُجرح المشاعر عميقًا فإنها قد تدفع حتى بالأناس المخلصين والملتزمين إلى إظهار ردة فعل سلبية، مما سيؤدي إلى تعريض سلام المجتمع للخطر. إن الناس الذين يُبدون ردة فعل خاطئة هم بلا شك مخطئون، ولكن هؤلاء الذين يستثيرونهم هم مسئولون أيضا عن انهيار السلام في المجتمع.
واليوم نحن في الجماعة الإسلامية الأحمدية، نحاول أن نجلب السلام للعالم. إننا نقوم بدورنا ونحاول أن نؤدي واجباتنا في هذا الشأن. ولهذا، فإنني أود أن أدعوكم جميعا أن تشتركوا معنا في هذه المهمة. إن القيم الإنسانية والمحبة المشتركة يمكن أن تُنشأ حتى عند الاختلاف في المعتقدات، ما دمنا نحاول أن نتعاون ويحترم بعضنا الآخر. إن العالم اليوم يحتاج إلى السلام لأن شرارات الحرب مشهودة في كل أنحاء العالم. وإذا تفجرت هذه الشرارات حقًّا فإننا سوف نشهد الحرب العالمية الثالثة التي ستكون مخيفة ومرعبة. لهذا، يجب علينا أن نحاول جهد استطاعتنا إطفاءَ شعلات الكراهية في كل اتجاه وعلى كل مستوى. وإذا نجحنا في هذه المهمة، فعندها فقط، يمكن لنا أن نضمن مستقبلا مشرقا لأجيالنا القادمة. لذلك يجب علينا اليوم أن نضع رغباتنا الخاصة جانبًا وأن نهتمّ بمستقبل الأجيال القادمة وبقائها وعيشها الكريم. يجب أن نتبنى الإيثار بدلاً من الأنانية. عندما نوحّد جهودنا ويحترم كل منا مشاعر الآخر وأحاسيسه، عند ذلك فقط يمكن إقامة مناخ من المحبة المتبادلة، وهنالك سنرى حقا المجتمع الجميل الذي يطمح إليه كل الناس المسالمين.
وإلى جانب كل ما سبق، فإنه من الضروري، حفاظًا على مستقبل أجيالنا، أن نتذكر أن الله تعالى هو الذي خلَقنا. إنه هو الذي يحبّ خَلْقَه، وإنه هو الذي يريد لهم الرفاه والنجاح. ولهذا، فقد منَّ علينا بنعم وأفضال لا تعدّ ولا تحصى برحمته الواسعة التي لا يحدها حدّ. أدعو الله تعالى بإخلاص أن يجعل كل واحد منا إنسانًا جيدًا ومخلصًا، آمين. وفي النهاية، فإنني أودّ مجدّدا أن أعبّر عن امتناني لكل الضيوف الذين ضحّوا بأوقاتهم الثمينة ليكونوا معنا اليوم، والذين شرّفونا بحضورهم في هذه المناسبة. أسأل الله أن يجزيكم جميعا أحسن الجزاء. شكرًا لكم.
~~~~
وجه أمير المؤمنين نصره الله خطابًا قصيرًا باللغة الأردية إلى الإخوة الأحمديين في هذه المنطقة التي بُني فيها مسجد "طاهر"، وإليكم ترجمة هذا الخطاب أيضا:
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد الله الذي وهبكم مركزًا ومسجدا في هذه المنطقة، والآن تقع عليكم مسؤولية جسيمة في أداء حق هذا المسجد، ويجب على كل أحمدي أن يجعلها نصب عينيه دائما. الهدف الحقيقي من المسجد لا يتحقق ببناء المسجد فقط أو الاهتمام بحسنه وجماله الظاهري، وإنما يتحقق هذا الهدف عندما يحضره المصلون لعبادة الله بقلوب طاهرة وطيبة. لقد أسمينا هذا المسجد "مسجد طاهر"، وفي هذه التسمية رسالة مهمة لكم جميعا بأنه يجب أن تحضروه دائما بقلوب طاهرة إلى جانب الاهتمام بتنظيفه وطهارته الظاهرية. عندما أسِّست الكعبة أوصى اللهُ تعالى إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام كما ورد في القرآن الكريم: {وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (البقرة: 126). إن لبيت الله الحرام مكانةً مرموقة، وتأسيا بالكعبة نبني المساجد. إن الناس يذهبون إلى الكعبة للحج ويقومون بالطواف حولها أيضًا، وبخلاف أن المساجد الأخرى غير الكعبة لا طواف فيها، غير أنها تحقّق جميع الأغراض الأخرى المنوطة بالكعبة من اعتكاف في رمضان وركوع وسجود في الصلاة وخشوع وخضوع أمام الله تعالى. فيقول الله تعالى يجب أن تحققوا هذا الهدف واجعلوا مساجدكم طاهرة نظيفة.
ولقد ذُكر "مسجد ضرار" في مكان آخر من القرآن الكريم، وأمر الله النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) بألا يدخله، بل يجب أن يدخل مسجده الذي أُسّس على التقوى، إذ يحضره رجال يريدون أن يعبدوا الله ويصلوا، رجال ذوو قلوب طاهرة، يريدون أن يتطهروا ويطهّروا المسجد أيضًا. فليذهبْ إلى ذلك المسجد الذي يحضره مثل هؤلاء القوم. وعندما أمر الله تعالى النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) بحضور مسجد يأتيه أناس ذوو قلوب طاهرة وحريصون على الطهارة، صار هذا الأمر الرباني أمرًا أبديا، وهو قائم اليوم أيضا، لذا فكلما أتينا المسجد وجب أن نأتيه بقلوب طاهرة راغبين في طهارة النفوس وعبادة الله بقلوب طاهرة. ما هو المراد من الطهارة؟ المراد هو طهارة القلوب والطهارة الظاهرية أيضا. يقول الله تعالى في القرآن بأن هذا المبدأ يفهمه أصحاب القلوب الطيبة والطاهرة فقط. فالطهارة والنـزاهة مهمة جدا لنيل علم الدين والتوفيق لعبادة الله تعالى. فحينما يأتي الأحمديون المحليون إلى هذا المسجد للعبادة وللصلاة وينظرون إلى كلمة "طاهر" مكتوبة على المسجد يجب أن يدخلوه واضعين في الحسبان أننا ندخله بقلوب طاهرة، وسنعبد الله تعالى بقلوب طاهرة وسوف ننشئ علاقات متبادلة مع بعضنا بقلوب طاهرة، وسنراعي حقوق الآخرين ونحافظ عليها، وعندها سوف ينشأ جوّ من الحب المتبادل يكون نموذجا للآخرين. وهذه النماذج تؤثر في مجتمعنا ومحيطنا. سيراكم الناس الذين يكنّون بعض التحفظات بسبب المسجد، ولكنهم عندما يرونكم سيعرفون الأمر الواقع، ويقولون: إن هؤلاء الناس يعبدون الله عبادة خالصة ويؤدون حق المجتمع على أحسن وجه. وهذا سيؤدي إلى توسيع علاقاتكم معهم، وسيفتح في نهاية المطاف آفاقا جديدة لنشر الدعوة. لقد قال المسيح الموعود (عليه السلام) بأنه حيثما تريدون أن تعرّفوا الناس على الإسلام يجب أن تبنوا مسجدا في تلك المنطقة، وكان يقصد بذلك أنه عندما يُبنى المسجد سيرى الناسُ قوما يحضرونه وسيرون سلوكهم وأخلاقَهم الفاضلة وحُبَّهم المتبادل وسيرون نشرهم الحب والوئام في البيئة المحيطة بهم، فيميلون إلى الإسلام، وهذا سيفتح آفاقا جديدة لتبليغ الإسلام. فعلينا أن نضع هذا الأمر في الحسبان دائما. ندعو الله تعالى أن يوفق أهل هذه المنطقة أن يجعلوا هذا الأمر نصب أعينهم دائما، لأن بناء المسجد واسمه بحد ذاته ليس بأمر ذي بال. فما لم يترسخ المعنى الحقيقي للمسجد في قلوبكم، وما لم تؤدوا حقه كما ينبغي، لن تتحقق الغاية التي من أجلها تُبنى المساجد. ندعو الله أن يوفق الجميع لأداء هذا الحق. تعالوا الآن ندع معا.
تحميل الخطاب (1.55MB)
|