loader
 

في ذكرى وفاة البروفسور محمد عبد السلام.. جريدة إكسبريس تريبيون تعتذر من "البطل المنسي"

كتبت جريدة إكسبريس تريبيون الباكستانية يوم 21/11/2013: يصادف يوم 21 نوفمبر/تشرين الثاني ذكرى وفاة الدكتور عبد السلام – الباكستاني الوحيد الحائز على جائزة نوبل وأحد الفيزيائيين الأسطوريين في القرن العشرين.

قائمة إنجازاته والجوائز التي حصل عليها طويلة بحيث يتساءل المرء كيف يمكن لرجل عادي ترعرع في ضواحي جهانج - المدينة الصغيرة نسبيًا والأقل نموًا في البنجاب - أن ينجز هذه الإنجازات الكثيرة، مع أن جهانج هي أرض الشيخ الصوفي سلطان باهو، ومدفن هير ورانجا وقدمت لنا جوهرة أخرى هي الدكتور عبد السلام.

كان للبروفسور عبد السلام تصورٌ لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية لبلدان العالم الثالث، وكان يعمل بلا كلل طوال حياته تجاه هذه القضية. وقد عمل مستشارًا للعلوم لحكومة باكستان ووضع البنية التحتية للعلم في البلاد. وشغل أيضًا منصب مدير مؤسس لسوباركو، وعمل على إنشاء مجلس الطاقة النووية (PAEC) وساهم كذلك في تأسيس مؤسسة العلوم النووية والتكنولوجيا (PINSTECH) . وكان يؤمن في فكرة "الذرة من أجل السلام"، وساهم في مشروع انتاج القنبلة النووية في باكستان. وهذا ليس سوى غيض من فيض من مساهماته الكثيرة. وكان أكبر حلم لعبد السلام هو إقامة مركز دولي للبحوث في باكستان. وللأسف، لم تظهر حكومة باكستان أي اهتمام في ذلك فقام سلام بإنشاء المركز الدولي للفيزياء النظرية (ICTP) في تريستا بإيطاليا، والذي تغير اسمه لاحقًا إلى مركز عبد السلام الدولي للفيزياء النظرية. في العالم الماضي فقط هلل عالَم الفيزياء لاكتشاف "جسيم الرب"، وكان تقرير شبكة CNN يكفي لجعلنا نطأطئ رؤوسنا خجلًا حيث جاء فيه:

"تخيل عالما يكافئ تجار الموت، في حين يتبرأ من البصيرة العلمية ويلقيها في غياهب النسيان. عبد السلام الباكستاني الوحيد الحائز على جائزة نوبل وأول مسلم يفوز بجائزة نوبل في الفيزياء، وضع الأسس التي أدت إلى اكتشاف جسيم هيغز بوسون. بينما يتم حتى الآن محو اسمه من المدارس الباكستانية" على الرغم من أن عبد السلام قد عمل طوال حياته من أجل خدمة وطنه، ولكن أبناء وطنه قد خذلوه.

كيف يمكننا حتى محاولة تبرئة أنفسنا من هذا الفشل؟

ففي حين أن معظم الدول يعبدون أبطالهم، نحن رفضنا عبد السلام.

لقد تلقى جائزة نوبل وهو يرتدي الزي البنجابي التقليدي واقتبس في خطابه آيات من القرآن الكريم. ومع ذلك، لدى عودته إلى باكستان في ديسمبر كانون الأول عام 1979، لم يكن هناك أحد لاستقباله في المطار. وكان وكأنه منبوذ في بلده.

ولم يستطع حتى إلقاء محاضرة في جامعة القائد الأعظم في إسلام آباد، حيث كان هناك تهديدات بالعنف من قبل طلاب ينتمون إلى جماعة الطلبة الإسلامية. ولم يكن ذلك فحسب فالمعاهد الأخرى أيضًا لم تتمكن من دعوته لنفس السبب. وقد شوهت سمعته أبعد من ذلك عندما جاء الحزب اليميني بقصصهم الخيالية وادعوا بأنه عميل وخائن باع أسرارًا نووية في البلاد إلى الهند.

والقصة لم تنته هنا.. ففي عام 1988، كان عليه أن ينتظر لمدة يومين في غرفة في فندق للقاء رئيسة الوزراء آنذاك بينظير بوتو. ومع ذلك، تم إلغاء الاجتماع دون أي سبب معين.

وللأسف، حتى في الموت تم تشويه الكتابة على شاهد قبره فقد مسحت كلمة "مسلم" بناءً على أوامر من القاضي المحلي. فالتعديل الدستوري في باكستان لم يسمح لأبناء الجماعة الأحمدية أن يسموا أنفسهم مسلمين. والمفارقة أن عبد السلام بالنسبة لبقية العالم، لا يزال مسلمًا وبطلًا. وبينما كان منبوذًا في بلده، كان العالم كله يقدره فقد دعته رئيسة وزراء الهند آنذاك أنديرا غاندي، إلى الهند وأبدت له الكثير من الاحترام فقدمت له الشاي بنفسها، وركعت عند قدميه.

وفي جنيف في سويسرا، أطلق اسمه على أحد الشوارع، وفي بكين، حضر رئيس الوزراء ورئيس الصين حفل عشاء أقيم تكريمًا له، في حين طلب منه الرئيس الكوري الجنوبي تقديم النصيحة للعلماء الكوريين على كيفية الفوز بجائزة نوبل. وقدم أيضًا لعبد السلام عشرات من درجات الدكتوراه الفخرية والجوائز على عمله الشاق.

ربما، لو قُبل عبد السلام في بلده، لاختلف وضع العلم تمامًا في باكستان. ولربما قطع شعبنا أشواطًا في طريق التقدم العلمي. لكننا للأسف، لم نفعل!

ومع ذلك، الوقت ليس متأخرًا جدًا. فالبابا يوحنا بولس الثاني قد اعتذر نيابة عن الكنيسة الكاثوليكية لسوء معاملة غاليليو في القرن 17، فلماذا لا نستطيع نحن الاعتذار لعبد السلام؟

نعتذر سلام...

نعتذر عن الإساءة لك ولعدم فهم قيمتك، نعتذر للكراهية التي أظهرناها لك في الحياة والممات. فالاعتراف بالخطأ، يمكّن المرء من أن يسعى جاهدًا على طريق تصحيحه.


 

خطب الجمعة الأخيرة