loader
 

مكانة الدعاء، أسرار الاستجابة، وجواهر من هدي النبي صلى الله عليه وسلم

                                          بسم الله الرحمن الرحيم

 

مكانة الدعاء، أسرار الاستجابة، وجواهر من هدي النبي w ومناجاته

في غمرة الحياة ودورانها السريع، يفقد الإنسان وعيه بقيمة الوقت، فيجد نفسه مرة يقف على عتبات المدارس انتظارا لعودة الأطفال، ومرة أخرى يغرق في بحر الشاشات الرقمية، متناسيا اللحظات التي تنسل خُلسة من بين يديه، أحيانا نقصد دور البنوك، فنجد أنفسنا أسرى صفوف تمتد طويلة، ننتظر في زحمة الوقت الراكد. عندما نخصص وقتا للمشي والتنزه، ندرك حينها كمية الوقت القيم التي بحوزتنا والتي يمكننا استغلالها في ذكر الله والتقرب منه. وفي أروقة المؤسسات والمستشفيات، نقف صفوفا في انتظار دورنا، بينما تنساب الساعات من دون رحمة. يعني هناك الكثير من الأوقات التي نُهدرها بشكل لا نشعر به. يعلمنا القرآن الكريم أن المؤمن الصادق يستثمر كل لحظة في ذكر الله والدعاء، متمسكا بكل ثانية، يملؤها بالتفكر في مخلوقات الله والتقرب إليه.

أيها القراء الكرام! عندما نتأمل في حياة الرسول الكريم e، نجد أن كل لحظة من حياته كانت مفعمة بالدعاء والتضرع إلى الله تعالى، متكيفا مع كل حال وموقف. كان يدعو بالخير والبركة عند الاستيقاظ، ويبارك لكل من يلتقي به. قبل تناول الطعام، يذكر رزاقه ويشكره بعد الانتهاء. كان دائم الدعاء في أوقات الفراغ والانشغال.

كما كان يدعو عند ارتداء ملابس جديدة، ركوب الدابة، دخول وخروج المنزل، دخول السوق، بدء السفر، دخول الخلاء، وعند زيارة المقابر. يدعو عند العطس ويبارك لغيره عند عطسهم. يستعيذ بالله من شرور مختلفة ويطلب الحماية من المصائب. يدعو لحالات مختلفة للقلب.كان يدعو للمطر عند الجفاف، ويطلب الراحة عند كثرة المطر. يدعو للبركة في الرزق والمال، لهداية الناس، للشفاء من المرض، للحماية من العين السوء، عند الرعد، خلال الكسوف، عند زيارة المريض، وعند وفاة أحدهم. عندما يواجه أي نوع من المحن والمصائب، كان يلجأ أولا إلى باب الله الواحد قبل أن يتخذ أي تدابير دنيوية.

بالإضافة إلى الأدعية المذكورة أعلاه، كان النبي e يدعو الله في العديد من المواقف والأحداث المرتبطة بالحياة اليومية للإنسان، وكان يحث الآخرين أيضا على الدعاء. باختصار، الدعاء كان جزءاً لا يتجزأ من حياته اليومية.

 

المكانة العظمى والأهمية القصوى للدعاء

1. تعزز الأحاديث النبوية الشريفة ما ورد في القرآن الكريم بشأن أهمية الدعاء في حياة المسلم. فقد نقل عن أنس بن مالك t أن النبي w قال: "الدعاء مخ العبادة"، مما يبرز المكانة العظيمة والدور الأساسي للدعاء في الإسلام. (رواه الترمذي في أبواب الدعوات، باب في فضل الدعاء)

2. يُظهر هذا الحديث الشريف القيمة العظيمة والمكانة الرفيعة التي يحظى بها الدعاء في الإسلام: "ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء". (سنن الترمذي، كتاب الدعوات، باب ما جاء في فضل الدعاء)

3. بينما يعتمد الكافر فقط على الوسائل المادية، فإن الله قد منح المؤمن قوة روحية عظيمة في الدعاء، وهو سلاح فعال يستمد منه المؤمن الدعم والقوة من السماء بلا انقطاع. روى علي بن أبي طالب t عن النبي w قوله: "الدعاء سلاح المؤمن، وعماد الدين ونور السماوات والأرض". (رواه الحاكم في مستدركه، الجزء الثاني، دار المعرفة بيروت، ص 162، ط 2006م، كتاب الدعاء)

4. ويشدد الرسول w على أهمية الاستمرارية في الدعاء من خلال ربطه بالذكر، كما يتضح في الحديث الذي رواه جابر بن عبد الله t، حيث قال w: "أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله". (الترمذي، كتاب الدعوات، باب دعوة المسلم مستجابة)        

                   

آداب الدعاء

1. الصبر عند الدعاء وعدم اليأس من التأخير في الاستجابة يعد من أهم الأمور التي يجب على المسلم مراعاتها، يشير إليه الحديث: "قال رسول الله w: "يُستجاب لأحدكم ما لم يعجلْ: يقول: قد دعوت ربي، فلم يستجب لي". (الترمذي، كتاب الدعوات، باب ما جاء فيمن يستعجل في دعائه)

2. الإصرار والجدية في الدعاء يعكسان الثقة بالله ويزيدان من فرص الاستجابة. فقال w: "إذا دعا أحدكم فليعزم المسألة ولا يقولن اللهم إن شئتَ فأعطِني فإنه لا مستَكرِه له". (صحيح البخاري, كتاب الدعوات، باب ليعزم المسألة فإنه لا مستكرة له)

3. الاختصار والشمولية في الدعاء يسهلان على المسلم الثبات على الدعاء ويجعلانه أكثر تركيزًا: "كان رسول الله w يستحب الجوامع من الدعاء، ويدع ما سوى ذلك". (سنن أبي داوود، كتاب الوتر، باب الدعاء)

4. "القلب الخاشع والمتوجه بكل إخلاص نحو الله هو مفتاح الاستجابة للدعاء. "قال رسول الله w: ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاهٍ". (سنن الترمذي، كتاب الدعوات، باب ما جاء في جامع الدعوات)

 

الأساليب الصحيحة والمُثلى لرفع الدعوات

1. الدعاء ليس مجرد وسيلة يتجه إليها العبد في الأوقات العصيبة فحسب، بل هو عبادة دائمة ينبغي الإكثار منها في جميع الأحوال، سواء في السراء أو الضراء. هذا ما بينه لنا النبي w من خلال حديثه الشريف الذي رواه أبو هريرة t، حيث قال w: "من سرّه أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليُكثر الدعاء في الرَّخاء. (الترمذي، أبواب الدعوات، باب دعوة المسلم مستجابة)

2. الإكثار من ذكر الله يعد علامة على صدق الإيمان وقوته: "أكثروا ذكر الله حتى يقولوا مجنون". (مسند أحمد، كتاب باقي مسند المكثرين، مسند أبي سعيد الخدري t)

3. البدء بالدعاء للنفس قبل الدعاء للآخرين يُظهر التواضع والإخلاص. "أن رسول الله w كان إذا ذكر أحدا فدعا له بدأ بنفسه". (سنن الترمذي، كتاب الدعوات عن رسول الله، باب ما جاء أن الداعي يبدأ بنفسه)

4. التحميد والثناء على الله والصلاة على النبي w تُعد من الأدب الواجب اتباعه أثناء الدعاء: "إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه ثم ليصل على النبي w ثم ليَدْعُ بعد بما شاء". (سنن الترمذي، كتاب الدعوات، باب ما جاء في جامع الدعوات)

 

أمثلة مختارة لأدعية مستجابة

1. من عظيم رحمة الله تعالى بعباده أنه يستجيب لدعائهم خاصة في لحظات الشدة والحاجة الشديدة. روى أبو هريرة t أن الرسول w قال: "ثلاث دعوات مستجابات، دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده".(الترمذي، كتاب الدعوات، باب ما ذكر في دعوة المسافر) وفي ذلك إشارة إلى أن هذه الدعوات لها مكانة خاصة عند الله تعالى وأنها تحظى بالقبول والاستجابة.

2. الدعاء للآخرين في غيابهم يعود بالنفع على الداعي والمدعو له: "دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة عند رأسه مَلَكٌ موكل كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به آمين ولك بمثل". (صحيح مسلم، كتاب الذكر، باب فضل الدعاء للمسلمين بظهر الغيب)

3. دعاء المظلوم يتمتع بمكانة خاصة ولا يوجد حاجز بينه وبين الله. "واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب". (صحيح البخاري، كتاب الزكاة، باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء)

4. العلاقة الطيبة بين القادة والمجتمع تؤدي إلى دعاء متبادل وبركة مشتركة. "قال خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم ويصلون عليكم وتصلون عليهم". (صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب خيار الأئمة وشرارهم)

 5. هناك فئات معينة من الناس يتمتعون بامتياز خاص في استجابة دعائهم. "قال رسول الله w: أربعة لا ترد لهم دعوة وتفتح لها أبواب السماء، وتصير إلى العرش: دعاء الوالد لولده، والمظلوم على من ظلمه، والمعتمر حتى يرجع، والصائم حتى يفطر". (بحار الأنوار، دار إحياء التراث العربي، طبعة 1983، بيروت، ج 90، ص 354، كتاب الذكر)

 

أوقات الاستجابة والحالات التي يتميز فيها الدعاء بالقبول

1. يحث الحديث على اغتنام الأوقات التي يكون فيها الدعاء أكثر استجابة، ومنها جوف الليل الآخر: "أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر فإن استطعتَ أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكُنْ". (سنن الترمذي، كتاب الدعوات، باب في دعاء الضيف)

2. يُظهر الحديث الفضل العظيم للبكاء من خشية الله والسهر في حراسة سبيله: "عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله". (سنن الترمذي، كتاب فضائل الجهاد، باب ما جاء في فضل الحرس في سبيل الله)

3. يشير الحديث إلى فضل الدعاء في أوقات معينة وخاصة جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات: "عن أبي أُمَامَةَ قال: قيل يا رسول الله w، أي الدعاء أسمع، قال: جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات". (سنن الترمذي،كتاب الدعوات، باب ما جاء في عقد التسبيح باليد)

4. يبين الحديث أن هناك وقت خاص في يوم الجمعة يكون فيه الدعاء مستجابا: "عن أبي هريرة أنَّ رسول الله w ذكر يوم الجمعة فقال فيه ساعة لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله تعالى شيئًا إلا أعطاه إياه وأشار بيده يُقلِّلُها. (صحيح البخاري، كتاب الجمعة، باب الساعة التي في يوم الجمعة) 


زاوية المقالات والمدونة والردود الفردية هي منصة لعرض مقالات المساهمين. من خلالها يسعى الكاتب قدر استطاعته للتوافق مع فكر الجماعة الإسلامية الأحمدية والتعبير عنها بناء على ما يُوفّق به من البحث والتمحيص، كما تسعى إدارة الموقع للتأكد من ذلك؛ إلا أن أي خطأ قد يصدر من الكاتب فهو على مسؤولية الكاتب الشخصية ولا تتحمل الجماعة الإسلامية الأحمدية أو إدارة الموقع أي مسؤولية تجاهه.
 

خطب الجمعة الأخيرة