loader
 

استقبال العام الجديد: فرصة سامية للتقرب إلى الله ومحاسبة النفس

 

مع إشراقة عامٍ جديد، يجد الإنسان نفسه أمام فرصةٍ نادرةٍ للتأمل في ماضيه والاستعداد لمستقبله. إنّ مرور الأيام والسنين ليس مجرد توالي الأرقام على صفحات التقويم، بل هو نداءٌ للإنسان ليراجع نفسه، وليعيد ترتيب أولوياته، وليستعد لبناء علاقةٍ أعمق مع خالقه. فالواجب على كلِّ مؤمنٍ أن يجعل لحظاتِه الأولى من السنةِ الجديدة محطّةً للدعاء والتأمّل، وميدانًا لمحاسبة النفس وتصحيح المسار، ليغدو العام المقبل صفحةً من النور في كتابِ العمر. غير أنّنا نشهد في كثيرٍ من المجتمعات عاداتٍ درج الناس عليها، حيث يُستهلك هذا الوقت الثمين في الاحتفالات الصاخبة واللهو، غافلين عن أنّ العام الجديد ينبغي أن يُفتتح بالدعاء الصادق والعبادات الخاشعة. سأستعرض في هذا المقال توجيهات حضرة  الخليفة الخامس أيده الله تعالى بنصره العزيز حول كيفية استقبال العام الجديد بطريقةٍ تليق بمؤمنٍ يطمح إلى نيل رضا الله تعالى وتحقيق التغيير المنشود في حياته.

كيفية بدء العام الجديد بروحانية متجددة وعبادات مخلصة.

يقول حضرة أمير المؤمنين أيده الله تعالى بنصره العزيز:

"ادخلوا العام الجديد بالأدعية، واهتمُّوا بصلاة التهجد اهتماما خاصا بهذه المناسبة. هناك ترتيبات للتهجد في بعض مساجدنا، والمساجد التي لم يعملوا بها هذه الترتيبات بعد يجب أن يدبروا فيها أيضا. إن لم تكن هناك ترتيبات للتهجد جماعةً، فيجب أن يصليها الإخوة فرادى. يجب أن يهتم الإخوة بصلاة التهجد في بيوتهم خاصة في كل حال، وأن تكثروا من الأدعية. بل في المقام الأول يجب أن يعتاد الإخوة على صلاة التهجد عموما. وإذا صلّوا التهجد غدا أو هذه الليلة فعليهم أن يسعوا ليصبح أداء صلاة التهجد جزءًا لا يتجزأ من حياتهم. وفّق الله الجميع لذلك. بالإضافة إلى الإكثار من الصلاة على النبي r والاستغفار، ينبغي أن ترددوا هذه الأدعية بكثرة: ]رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ[، و]رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ[. وفق الله تعالى كل أحمدي لذلك".      (خطبة الجمعة 31/12/2021)

العيد الحقيقي: يوم توبة الإنسان ومغفرة ذنوبه

يقول حضرته: "نحن نتبادل التهاني والتبريكات بمناسبة حلول كل عام جديد. لكن الأعوام والأيام لا تكون مباركة للمؤمن إلا إذا تسببت في قبول توبته فيها وأدت إلى رقيه الروحاني وجلبت له العفو والمغفرة. وقد قال سيدنا المسيح الموعود u: "إنما العيد الحقيقي ويوم الفرح الحقيقي واليوم المبارك هو يوم توبة الإنسان، وهو يومٌ يُغفَر له فيه." ذاك اليوم الذي يكشف للإنسان المدارج الروحانية، والذي يقود الإنسان إلى دروب التقدم الروحاني، والذي ينبّه الإنسان إلى تأدية حقوق الله وحقوق العباد، والذي يلفت اهتمام الإنسان إلى بذل جميع المواهب والقدرات لاكتساب رضوان الله تعالى، والذي هو يوم بذْل المساعي والجهود على الصعيد العملي لنيل قرب الله تعالى. فلن تكون سنواتنا وأيامنا مباركة إلا إذا خررْنا على عتبات الله I بإخلاص مستعينين به لتحقيق هذه الأهداف، وسعَينا لإحداث تغيرات طاهرة في نفوسنا". (خطبة الجعمة، 1/1/2010)

مسؤوليات الأحمديين: تحقيق أهداف العام الجديد بروح البيعة

يقول حضرته: "لا زلتُ أتلقى رسائل التهنئة من مختلف الناس.. ولكن إلى جانب ذلك أريد القول أيضا بأن تبادُل التهاني فيما بيننا لا ينفع إلا إذا فحصنا أنفسنا جيدا إلى أيّ مدى أدّينا في العام المنصرم حق كوننا أحمديين، وإلى أيّ مدى نعزم على السعي لأداء هذا الحق في العام القادم... مما لا شك فيه أن المهمة التي كلِّفنا بها نحن الأحمديين لا يمكن أداء حقها إلا بكسب الحسنات فقط، ولكن السؤال هو: ماذا يجب أن يكون مستوى تلك الحسنات؟.. وقد وضّح المسيح الموعود u لنا الأحمديين هذه المعايير في شروط البيعة. إنها عشرة شروط في الظاهر ولكنها في الحقيقة تتضمن أكثر من ثلاثين مسئولية تقع علينا كأحمديين، إن أحصيناها بنظرة عابرة.

فإذا كنا نريد أن نفرح بالسنوات الجديدة بصورة حقيقية فيجب علينا أن نجعل تلك المسئوليات نصب أعيننا دائما، وإلا فالذي يَعُدّ نفسه أحمديا وتقتصر فرحته على أنه يعتقد بوفاة المسيح الناصري u ويؤمن بالمسيح المقبل الذي أُنبئ عنه، فهذا لا يكفي. لا شك أن الاعتقاد هو خطوة أولى ولكن المسيح الموعود u يتوقع منا أن نفهم الحسنات بعمق ونعمل بها ونُنقذ أنفسنا من السيئات كما ينقذ المرء نفسه من الوحش الضاري. وإذا فعلنا ذلك فلن ننجح في إحداث الانقلاب في نفوسنا فقط بل سنكون وسيلة لتغيير العالم وتقريبهم إلى الله تعالى أيضا". (خطبة الجمعة، 2/1/2015)

محاسبة النفس لاستقبال العام الجديد بروحانية

يقول حضرته: "قد أخذ المسيح الموعود u عهد البيعة من كل أحمدي، وفي هذا العهد قدّم لنا شروط البيعة وأعطانا خطة العمل وتوقع من كل أحمدي أن يعمل بهذه الخطة ويحاسب نفسه كل يوم وكل أسبوع وكل شهر.. هذا العهد يعرض علينا سؤالا: هل وَفَيْنا بعهد قطعناه بعدم الإشراك بالله؟.. فيجب أن نتساءل: هل كانت صلواتنا وصيامنا وتضحياتنا المالية وأعمالنا لخدمة الخلق والتضحية بأوقاتنا لخدمة الجماعة لإراءة الناس أو لإرضاء الآخرين من دون الله أم لا؟ أو هل وقفت أهواؤنا الكامنة في قلوبنا مقابل الله تعالى؟.. ثم هناك سؤال آخر يفرض نفسه وهو: هل مضى عامنا المنصرم بريئا تماما من الكذب والزور وهل تمسكنا خلاله بأهداب الصدق والحق. وهل واجهنا موقفا حين كان من شأن الالتزام بالحق والصدق أن يعرضنا للخسارة ومع ذلك لم نتخلّ عن الصدق؟.. ثم السؤال هو: هل أبعدنا أنفسنا من الأشياء التي من شأنها أن تخلق في القلب أفكارا سيئة. ويدخل في هذه الأشياء الانترنيت والتلفاز في الزمن الراهن إذا تُبثّ بواسطتهما برامج تفسد الأفكار.. ثم السؤال هو: هل سعينا أو نسعى بكل ما في وسعنا لإنقاذ أنفسنا من سوء النظر؟.. ثم يجب أن نتساءل: هل اجتنبنا كل نوع من الفسق والفجور أثناء السنة المنصرمة؟.. ثم يجب أن نسأل أنفسنا: هل اجتنبنا كل أنواع من الظلم... ثم يبرز للعيان سؤال: هل نجتنب جميع أنواع التمرد والبغي؟ وهل تتغلب علينا الثوائر النفسانية عندما تهيج.. ثم يجب أن نسأل أنفسنا هل نلتزم بالصلوات الخمس أم لا؟ أي هل صلينا خمس صلوات بانتظام على مدار السنة المنصرمة أم لا؟ .. ثم يجب أن نسأل أنفسنا: هل ظللنا ملتزمين بصلاة التهجد؟.. ثم يجب أن نسأل أنفسنا: هل بذلنا قصارى جهودنا للالتزام بالصلاة على النبي r؟.. ثم يجب أن نسأل: هل اجتنبنا إيذاء أقاربنا وغيرهم جميعا، وهل امتنعتْ أيدينا ولساننا عن إيذاء الآخرين. هل عامَلْنا الناس بالصفح والعفو؟ هل كان التواضع مَزِيَّتنا البارزة؟ هل بقينا على علاقة الإخلاص والوفاء مع الله تعالى في حالة الفرح والترح دائما ولم نَشْكُ منه على أنه لم يُجب أدعيتنا أو لماذا ابتُلينا بمصيبة ما؟ وإذا نشأ هذا النوع من الشكوى فلا يمكن أن يكون صاحبه مؤمنا. ثم يجب أن نتساءل: هل بذلنا قصارى جهودنا لاجتناب التقاليد والبدعات والأهواء النفسانية كليا؟.. ثم السؤال هو: هل بذلنا ما في وسعنا للعمل بأوامر القرآن الكريم وأوامر رسول الله r وتعليماته كلها؟ ثم هناك سؤال: هل تخلينا عن الكبر والنخوة كليا، أو سعينا للتخلي عنهما؟ لأن أكبر مصيبة بعد الشرك هو الاستكبار والنخوة.. ثم السؤال هو: هل حاولنا أن نضرب أمثلة عليا في حسن الخُلق؟ وهل سعينا للالتزام بالحِلم والمسكنة؟.. ويجب أن نتساءل: ألم يكن عهدنا بتقديم الدين على الدنيا الذي ردّدناه على مدار السنة عهدا فارغا فحسب؟ ثم يجب أن نسأل أنفسنا: هل حاولنا أن نزداد حبا للإسلام إلى درجة أن فضّلناه على أموالنا وكرامتنا وحسبناه أعزّ علينا وأحبّ لنا من أولادنا أيضا؟.. ثم يجب أن نسأل أنفسنا: هل بذلنا جهدا في التقدم في مواساة الخلق؟ ثم السؤال هو: هل سعينا لنفيد خَلق الله تعالى بكل ما أُعطينا من القوى والمواهب؟.. ثم السؤال هو: هل نصحنا أولادنا أن نكون مثالا أعلى في طاعة المسيح الموعود u ونضرب أمثلة عليا بأنفسنا في طاعته ونزداد طاعة له يوما إثر يوم. ثم يجب أن نسأل أنفسنا هل تقدمنا في الطاعة لدرجة حتى لا تكون للعلاقات الدنيوية كلها أدنى أهمية أمامها؟ ثم يفرض نفسَه سؤال: هل استمررنا في الدعاء ليوفقنا الله تعالى للثبوت والتقدم المستمر في طاعة الخلافة الأحمدية؟ وهل ظللنا ننصح ونوجه أولادنا على مدار السنة ليكونوا على علاقة الحب والإخلاص مع الخليفة ودعونا أيضا أن يوفق الله أولادنا للانتباه إلى هذا الأمر. ثم هناك سؤال آخر وهو: هل دعونا للخليفة والجماعة بانتظام؟ إذا كانت هذه السنة قد مضت في حال يكون جوابنا لأكثر هذه الأسئلة بنعم فقد كسبنا كثيرا رغم وجود بعض الثغرات ونقاط الضعف. أما إذا كان جواب معظم الأسئلة التي أثرتُها بـ"لا" أو سلبيا فالوضع مُقلق. (خطبة الجمعة 30/12/2016)

  


زاوية المقالات والمدونة والردود الفردية هي منصة لعرض مقالات المساهمين. من خلالها يسعى الكاتب قدر استطاعته للتوافق مع فكر الجماعة الإسلامية الأحمدية والتعبير عنها بناء على ما يُوفّق به من البحث والتمحيص، كما تسعى إدارة الموقع للتأكد من ذلك؛ إلا أن أي خطأ قد يصدر من الكاتب فهو على مسؤولية الكاتب الشخصية ولا تتحمل الجماعة الإسلامية الأحمدية أو إدارة الموقع أي مسؤولية تجاهه.
 

خطب الجمعة الأخيرة