زواج المسلم من كتابيّة أو المسلمة من كتابيّ
من القضايا التي يكثر النقاش والسؤال فيها هي مسألة زواج المسلم من الكتابية وزواج المسلمة من الكتابيّ، أهو أمر جائز أم لا وفق الشريعة الإسلامية.
والإجابة على هذا السؤال منبعها من الآيات الكريمة التالية:
{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } (البقرة 222)
فلا يجوز زواج المسلمة من غير المسلم قطّ، والدليل قوله تعالى {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} (البقرة 222).. أما المسلم فيجوز له الزواج من الكتابية، وهذا الجواز هو استثناء من عموم المنع الوارد في هذه الآية، ودليله: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} (المائدة 6).
إلا أنه مع هذا، فلا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار التعاليم الأصلية الواردة في الآيات السابقة، والتي تؤكدها سنة النبي صلى الله عليه وسلم أيضا، حيث جاء عنه صلى الله عليه وسلم :
{عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ لِمَالِهَا وَلِحَسَبِهَا وَجَمَالِهَا وَلِدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ} (صحيح البخاري, كتاب النكاح)
فبناء على هذه التعاليم لا بدّ للمسلم أن يسعى دائما لأن يظفر بذات الدين، وأن يكون خياره في الزواج موافقا لإيمانه وعقيدته قدر الإمكان.
وفي هذا يقول المصلح الموعود رضي الله عنه: "والمقصود بقوله {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} التلميح إلى أنه وإن أبيح زواج المسلم من الكتابية إلا أنه من الأفضل أن يتزوج المسلم من المسلمة في الظروف العادية." [ التفسير الوسيط]
وكل هذه التعاليم القرآنية والحديثية لم تأت عابثة أو مجحفة في حقّ المرأة كما يظنّ البعض، بل تتسم بحكَم جليلة، من شأنها الحفاظ على المجتمع الإسلامي من الفساد والانحراف وضياع الإيمان الحقّ بالله عز وجل، وضياع الإيمان بالإسلام كونه الدين الذي ارتضاه الله تعالى للبشر.
فلا يمكن الإغفال عن كون المرأة متّبعة لزوجها في معظم الأحيان في مسائل العقيدة والإيمان، لذلك جاء المنع لها بالزواج من كتابيّ، حتى لا يؤثر كفره أو عدم إيمانه على إيمانها فيفسد. بينما أجيز ذلك للرجل حيث على الأغلب قد يترتب على زواجه هذا منفعةٌ وخير، إِذْ يتسبب في هدايتها.
وهناك أيضاً جانب مهم لا يجب إغفاله وهو أن الزواج ليس مجرد علاقة عابرة بين شخصين يجدان ميلاً مادياً إلى بعضيهما أو تقارباً في الأفكار. بل هو مؤسسة متكاملة الأركان وارتباط دائم بين شخصين بهدف تحقيق الألفة والسكينة مما ينتج عنه استقرار نفسي وماديّ للزوجين تكون ثمرته ذرية صالحة تتربى على قيم دينية وأخلاقية يشترك فيها الزوجان. وما دام الدين والعقيدة أمراً رئيسياً في حياة المسلم والمسلمة على حد سواء، فليس من السهل التكهن بإمكانية حصول الألفة والسكينة في بيت تشوبه خلافات عقائدية خطيرة. كما أنه من المحال توفير بيئة دينية سليمة لأبناء لا يتفق أبواهم على عقيدة واحدة. ولا يمكن سواء للأولاد أو الآباء تدبير هذا الخلاف بما يحفظ استمرار الأسرة وعدم تفككها من جهة، وإحسان تربية الأبناء من جهة أخرى. ولهذا فإن الإيمان شرطٌ أساسي لنجاح كل علاقة زوجية، و هذا ما يشير إليه قول الله تعال وقول النبي صلى الله عليه وسلم المذكورين أعلاه.
وبناء على هذا كلّه، لا يجوز للمسلمة بحال أن تتزوج من كتابيّ. لكن المسلم يجوز له أن يتزوج من كتابيّة، مع أخذه الإجراءات والاحتياطات اللّازمة لأن يتربى أبناؤه تربية إسلامية سليمة.