loader
 

عبد القادر مدلل

بسم الله الرحمن الرحيم
لقد نشأت في بيئة دينية محافظة، فقد كان جدي معروفا بدماثة خلقه وكان صاحب حانوت يحب الناس أن يشتروا منه لأنه معروف بالصدق ولا يحب الطمع ويعطي الميزان حقه ويكره الظلم وله مواقف مشهودة...
بدأ اهتمامي بالأمور الدينية وعمري ستة عشر عاما، وقد انخرطت مع حركت حماس عندما اندلعت الانتفاضة الفلسطينية عام 1987م، وشاركت فيها.
كان والدي يكره انضمامي إلى حركة الإخوان المسلمين حماس ويأمرني دائما بالابتعاد عنهم لأنه لا يثق بهم، وبعد انهائي لمرحلة الدراسة الثانوية، ذهبت إلى الهند للدراسة هناك وهناك كرست نفسي للعمل الطلابي بصفتي عضوا في جماعة الإخوان المسلمين التي تبوأتُ فيها مكانا قياديا، ولكني كنت دائما لا أحب التعصب بل أتحدث مع الخصوم بمودة وأميل إلى احترام آراءهم بل كنت أدعوهم إلى مركزنا.
كنت نشيطا في العمل الحزبي الطلابي وبسبب التنافس على استقطاب الطلبة بيننا وبين حركة فتح الفلسطينية حدثت مشاجرات عنيفة ومؤسفة في بلاد المهجر كرست الحقد والكراهية بين أبناء الوطن والقضية... مع ذلك كان لنا نشاط مع الهنود المسلمين حيث كنا نعقد لهم محاضرات للتعريف بالقضية الفلسطينية وبسبب انشغالي في هذه الأنشطة أهملت دراستي كثيرا لكن وبحمد الله حصلت على شهادة الماجستير في الفيزياء.
مع أن عملنا الطلابي له طابع سياسي إلا أنني كنت أعشق الروحانية، وكنت أقرأ الكثير من الكتب في هذا المجال لابن القيم والمحاسبي والغزالي صاحب كتاب علوم إحياء الدين. كنت أحب أن أجاهد في سبيل الله (الجهاد القتالي)، وفعلا وعلى مقدار فهمي ونيتي فقد شاركت في هذا الأمر وحققت أمنيتي، ولكن الله نجاني من القتل في المعركة والذي كان قاب قوسين أو أدنى.
بعد أن أنهيت دراستي من الهند عدت إلى بلدي، وبقيت منتميا إلى جماعة الإخوان المسلمين، ولكن بعد أن أمضيت من عمري أحد عشر عاما في هذه الجماعة، كنت على قدر أن أتركها ثم التحق بجماعة التكفير بعد أن تبين لي الخلل في نهج جماعة الإخوان حيث إن هناك بونا كبيرا بين ما تؤمن به جماعة الإخوان وبين ما تترجمه على أرض الواقع من سلوك وكيف أنها حركة طابعها النفاق واسترضاء الجماهير لذا كانت مواقفها متذبذبة متقلبة متلونة، فهي حركة سياسية مغلفة برداء ديني، جماعة براغماتية تسعى إلى الوصول إلى السلطة السياسية، للأسف اكتشفت هذا الأمر عندما عدت إلى بلدي وربما لم تكن الظروف في الهند مواتية لكشف حقيقة هذه الجماعة، المهم لم أمكث طويلا في جماعة التكفير مع أنها كانت منسجمة مع نفسها من حيث الفكر والتطبيق حيث تبين لي أن الفكرة القائمة عليها هذه الجماعة وهي تكفير الناس عامة بحجة عدم تكفيرهم للنظام الحاكم الكافر هي فكرة باطلة من أساسها، لم أكن مرتاحا من الداخل لهذه الأفكار إلا أن المشايخ بكل أسف كعادتهم لم يستطيعوا إثبات بطلان أفكار هذه الجماعة.
في عام1999 منّ الله علي بفضله وكرمه أن شرح صدري للالتزام بجماعة المسيح الموعود عليه السلام، كانت البداية عن طريق صهر الأخ هاني طاهر أبو المأمون الذي ترك جماعة التكفير وانضم إلى جماعة المسيح الموعود عليه السلام بعد حضوره الجلسة السنوية في لندن عام 1995، وقد أثار انضمام أبو المأمون غضبنا، وخاصة الأخ هاني طاهر الذي اتخذ منه موقفا متشددا، حيث دفعته بيعة صهره إلى البحث في فكر الجماعة فزار مركزها في حيفا، وجرى بينه وبينهم نقاش طويل أدى في النهاية إلى اقتناع الأستاذ هاني طاهر بفكر الجماعة لكن بعد بحث ليس بالقليل، وقد كان هاني طاهر يطلعنا دائما على فكر الجماعة الأحمدية، وقد قرأت حينها كتاب الأستاذ مصطفى ثابت دلائل صدق الأنبياء الذي تأثرت به كثيرا وكنت أشعر بانشراح الصدر كلما أقرأ أو أعرف شيئا جديدا من فكر الجماعة، وقد دفعني الحماس أن أعلن إيماني بالمسيح الموعود عليه السلام أمام أحد أصدقائنا المتشددين في جماعة التكفير مما أثار غضبه واضطررنا أن نخرج من بيته، وما أن عرف الناس وشيخ البلد بالأمر حتى بدأ التحريض والتهجم علينا بشدة، لكن إيماني بالمسيح عليه السلام كان يترسخ يوما فيوما، وقد حدثت نقاشات طويلة بيننا (أنا وهاني طاهر وراضي طلال) وبين شيخ البلد المتعصب وقد تطور الأمر إلى عقد ندوة في مجلس البلد حيث وقفت البلد ضدنا وأشبعونا مسبات وصراخ وسخرية واستهزاء...كان هذا بعد أشهر قليلة من بيعتنا عام 1999م.
تضايق صهري من انضمامي إلى جماعة المسيح الموعود عليه السلام ولكن وبفضل الله بعد أن تبين له الحق بايع هو وزوجته كما بايعت جميع بناته وأولاده باستثناء واحد لغاية الآن، وبايعت زوجتي وجميع إخوتي ما عدا واحد وثلاثة من زوجات إخوتي، والحمد لله فإن أبي محب للجماعة مع أنه كان يعارض بشدة انتمائي السابق لجماعة الإخوان والتكفير وكنا نصطدم معه كثيرا... معظم الذين يعرفون أنني بايعت المسيح الموعود عليه السلام يستهجنون ويستغربون بيعتي ولكنهم يحترمونني وذلك لأن الجماعة برأيهم كافرة وعميلة وبنفس الوقت هم يشهدون لي بالسيرة الحسنة وحسن الخلق...
معظم زملائي في المدرسة متأثرون بفكر الجماعة لكنهم مدركون تبعات البيعة، حتى قال لي مدرس اللغة العربية بعدما قرأ من أشعار مؤسس الجماعة عليه السلام: أنا لا أريد أن أعرف أكثر أو أناقشكم حتى لا أقتنع أنتم تمتلكون حججا وبراهين قوية لا يستطيع أحد أن يواجهكم بها وهذا ما ذكرته أمام زملائي ودافعت عنكم وعن فكركم الرصين، وكنا عندما نتناقش في المدرسة في مسائل مختلفة وأعرض رأي الجماعة أمام آراء المشايخ المعروفة لديهم يعبرون عن إعجابهم واقتناعهم فكنت أقول لهم لهذا أنا أحمدي "الحقوا حالكم وبايعوا"...
أحد زملائي في مدرسة سابقة كان دائما عندما يلاقيني يقول لي هل تركت الكفر الذي أنت عليه؟! ومرة قال لي لكن إيمانك أفضل من إيماني...
مدير مدرستي المتأثر جدا بفكر الجماعة والمدافع عن جماعتنا يقول إن هذا فكر عظيم وراق وكان قد طلب من مسؤول أمن المؤسسات عند زيارته للمدرسة أن يمنحونا ترخيصا للجماعة وطلب منه أن يقابلني قائلا له إنه سيغير فكرك ورأيك عن الجماعة.
طلابي خاصة في المرحلة الثانوية تأثروا بفكر الجماعة حتى إنهم كانوا يعرضون أسئلتهم عليّ وعلى مدرس الدين في المدرسة وكانوا يعبرون دائما عن قناعتهم بما أقدم لهم ويقولون إن رأيك منطقي ومقنع...
طُلبت إلى جهاز المخابرات الفلسطينية في طولكرم وقد شرحت لهم معتقدات وأهداف الجماعة وقد تعاملوا معي باحترام واهتمام بعد أن عرفوا حقيقة الجماعة.
ومرة عندما كنت أوزع بطاقات في مدينة نابلس للتعريف بموقع الجماعة على الانترنت وتردد الفضائية، وإذا برجل مخابرات فلسطيني يوقفني ويطلب هويتي الشخصية وبعد اتصاله يبدو بمدير المخابرات قال لي متأسفون على الإزعاج وأعطاني بطاقة الهوية، وحصلت قصص كثيرة مع أجهزة السلطة ولكنها كلها تبين أن السلطة ليست ضدنا ولا تعادينا إلا أنه كان يحدث أن يتم مضايقة بعض الأحمديين من قبل بعض المسؤولين أو الموظفين في الأجهزة وذلك بسبب توصية خاصة من أقارب الأحمديين بسبب انتمائهم للجماعة.
كلما دعونا الناس إلى الإسلام الصحيح زادت الإشاعات واستعرت الحملة ضدنا وخاصة من قبل المشايخ المتعصبين ومن يتبعهم، ولكن في الآونة الأخيرة بدأنا نلحظ ازدياد عدد المبايعين في فلسطين.
ذات مرة وكنت بحالة روحانية جيدة دعوت الله أن يريني رؤيا تتعلق بصدق الإمام المهدي، وفعلا قد استجاب الله دعائي، حيث رأيت أنني كنت في مختبر المدرسة وأشرح للطلاب الدرس وفجأة ظهرت لوحة على الجدار الذي هو أمامي مكتوب عليها أنه أصدق الصادقين وقد فهمت وأنا في الرؤيا أن المقصود بذلك هو الإمام المهدي عليه السلام وقد استيقظت فزعا من النوم.
في السنة التي بايعت فيها 1999 حضرت الجلسة السنوية في بريطانيا وقد قابلت أنا والأستاذ هاني طاهر ولأول مرة الخليفة الرابع رحمه الله وقد سر جدا بلقائنا وأهدانا قلما رائعا، وكان رحمه الله ذو هيبة ووقار، وقد لفت انتباهي سرعة خطاه عندما كان يتفقد المرافق العامة في إسلام آباد قبل موعد الجلسة بيوم، وعندما مر بعيدا عنا أشار الينا بيده من بين الناس.
في بداية انتمائي للجماعة الإسلامية الأحمدية، كان الناس يقولون لي ستترك هذه الجماعة الكافرة كما تركت قبلها جماعات الإخوان والتكفير، فقلت لهم، لقد بات جليا أن مرور الزمن يزيد رسوخ جذوري في هذه الجماعة، والآن أو قل بعد مرور عدة سنوات على بيعتي يأس هؤلاء من قولهم هذا بل على العكس لم يعد عندهم القدرة على المواجهة بل أصبحت أنا في موقع الهجوم وألومهم على ضياع أوقاتهم بدون الالتحاق بجماعة المسيح الموعود عليه السلام.


 

خطب الجمعة الأخيرة