loader
 

سامح مصطفى

بسم الله الرحمن الرحيم
نحمده ونصلي على رسوله الكريم وعلى عبده المسيح الموعود
قِصَّةُ هِدَايَةٍ
الاسم: سامح مصطفى محمد عبد الرحمن
تاريخ الميلاد: الأربعاء الموافق 8 أغسطس 1979 ميلادي
تاريخ البيعة: الجمعة الموافق 18 يناير 2008 ميلادي
المهنة: معلم للغة العربية لمرحلة التعليم الأساسي (الابتدائي والإعدادي)
البلد: جمهورية مصر العربية

إن من أصعب اللحظات التي تمر على الإنسان، تلك التي يكتب فيها لنفسه أو عن نفسه، الأمر الذي يفسر سبب تقاعسي عن تدوين قصة هدايتي إلى الآن.
إن أي إنسان إذ يدون قصة هدايته، فهو لا يكتب مجرد وقائع تحوله من حال إلى حال، وإنما يذكر مسيرة حياته منذ بدأ إدراكه للحياة حتى آل إلى ما آل إليه من هداية وسعادة.

بواكير الطفولة وسنيُّ المهد:
كغيرها من قصص الهداية والانتقال من الظلمات إلى النور، بدأت قصتي منذ سني المهد المبكرة، وتحديدا مُذْ كنت تلميذا بالمرحلة الابتدائية من التعليم، ومع ارتقائي سلم التعليم أخذت القراءة دون سواها من الهوايات تستهويني لا سيما في المواضيع البعيدة عن جفاف الكتب الدراسية، لم أكن أنسجم مع أقراني الذين يؤثرون المرح على القراءة، لم يكن يجمعنا سوى الميل الطفولي إلى الخرافة وقصص الخيال بأنواعها، بما في ذلك حكايات الجن والسحرة وغيرها، وقد توافق أن وقع في يدي حينذاك كتاب لا أزال أحتفظ بنسخة منه حتى اللحظة، عنوانه (بدائع الزهور في وقائع الدهور) ولا يخفى على المطلعين محتوى هذا الكتاب من قصص للأنبياء والأمم الخالية في إطار خرافي بكل ما تعنيه الخرافة من معنى، ومن العجيب أن مؤلف هذا الكتاب، ويدعى محمد بن إياس المصري قد قدم لكتابه بوصفه كتاب أدب وتاريخ وقصص وفكاهة، كما دعم خرافاته بآيات القرآن المجيد وكثير من الأحاديث المنسوبة إلى خير الورى (صلى الله عليه وسلم) وكأنما هو قول الحق أريد به باطل، الأمر الذي منح ذلك الكتاب حجية لدي حتى أني كنت أعد ما أقرأ في ذلك الكتاب من المسلمات أدركت كنهه أو لم أدرك، بل إن أبي نفسه وعلى الرغم من نضجه الفكري طالما كان يصحبني في قراءة أجزاء مطولة من هذا الكتاب بل وتصديقها كذلك باعتبارها تفسيرا لآيات القرآن المجيد، المهم أن ذلك الكتاب على سوئه وخرافاته قد أسهم في تشكيل عقلي البدائي، إذ أيقظ في داخلي غريزة التساؤل المبكر، تلك الغريزة التي لم تشبعها أجوبة الراشدين سواء كانوا من الأبوين أو المعلمين أو الأقارب، فما كان مني إلا أن ارتميت في أحضان الكتب أنهل منها على قدر اتساع معدتي الفكرية ووعيي العقلي، وتمر أعوام قلائل، لم أزل حينها في المرحلة الابتدائية من التعليم، وقد زاد ولعي بمطالعة المواد القصصية ذات الطابع التاريخي بوجه عام والديني بوجه خاص، حتى أني أخذت في اقتناء أمهات الكتب في هذا الخصوص، أذكر منها (قصص الأنبياء) لأبي الفداء إسماعيل بن كثير، إلا أن هذا الكتاب لم يشبع نهمي للمعرفة وقتذاك، كما لم أجد فيه من التشويق ما يعينني على مواصلة قراءته حتى النهاية، فقد كان كتابا مترعا بالعنعنات شأن كتب الأحاديث المعظمة لشأن السند.
وأستمر في صعودي سلم المراحل التعليمية حتى أدخل المرحلة الإعدادية، وقد كانت هذه المرحلة بسنواتها الثلاث الأفقر في عمري حتى الآن بسبب قلة المتاح من الإنتاج المعرفي لطفل في سني وقتذاك حتى أبدأ في التعرف إلى مجلة عربية ذات شهرة ثقافية واسعة بالعالم العربي، كانت مجلة تصدر في دولة الكويت بعنوان (العربي) وكان أغلب كتابها ولا يزالون من المصريين، مما قرًّب إليَّ أسلوب المجلة بوجه عام وجعله محببا، غير أنه من العجيب في شأن تلك المجلة محاولتها (مع ما يبدو بها من عقلانية) تأصيل الخرافة وتقديم ما في ثنايا كتب التفاسير من خرافات وأغاليط بحيث تبدو وكأنها عصرية فيتقبلها أبناء الجيل، ولم لا وكتاب هذه المجلة أشخاص ينهلون من الماء الراكد نفسه الموجود في كتب التفاسير ذاتها؟!
في تلك الفترة حدث أن وقع في يدي كتاب في مقارنة الأديان والملل والنحل، يتناول بالنقد العقيدتين البابية والبهائية، أذكر أن مؤلفه كان أزهريا بحسب ما عرف نفسه على غلاف الكتاب، كان كتابا بعنوان (خطر البابية والبهائية)، أكاد أجزم أن الكاتب نجح في أن يستعديني على كل من يعتقد في أي من هذين الدينين، على الرغم من أن الكاتب نفسه كان يعد أتباع هذين الدينين مسلمين ضلوا سبيلهم وعليهم العودة، الأمر الذي نفاه بهائيون عرفتهم فيما بعد، فهم لا يعتبرون أنفسهم مسلمين بحال. لقد كان زعم الكاتب الأزهري ذاك من باب نسبة الولد إلى غير أبيه كالعادة. أما عن تأثير هذا الكتاب (خطر البابية والبهائية) فيَّ، فإنه لمن عجيب ما سأذكره بهذا الشأن، فقد أكملت قراءة ذلك الكتاب إلى نهايته، وقد فوجئت في الصفحة ربما قبل الأخيرة منه أن الكاتب الأزهري يقول ما معناه أن من الفرق الضالة التي انشقت كذلك عن الإسلام، فرقة القاديانية (الأحمدية) والتي يزعم مؤسسها مرزا غلام أحمد القادياني أنه نبي بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ويعيش معظم أتباعه في لندن. كان هذا أول طرق للفظ (أحمدية) على مسمعي، ومنذ ذلك الحين بدأت تنتابني مشاعر غريبة، وأشياء غامضة، إذ كنت كل يوم تقريبا أتذكر بدون أية مناسبة إحدى أو كل الكلمات الآتية: أحمدية – قادياني – غلام أحمد. ولم أملك لهذا الأمر تفسيرا، وقد استمر معي لسنين.
وبالعودة إلى تساؤلاتي، فمنذ اطلاعي الأول على نتاج الفكر الديني التقليدي عندما قرأت كتاب بدائع الزهور للمرة الأولى انتابتني تساؤلات بداع من الحيرة الشديدة، منها على سبيل المثال:
• كيف يعلن الله تفوق آدم على الملائكة في قضية لم يثبت فيها تكافؤ الفرص حيث عَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ؟!
• كيف لسفينة نوح أن تتسع لذلك العدد من الخلائق، بل كيف تم تآلفها أصلا؟!
• لماذا شاع بيننا أن عيسى حي في السماء كما تروج أدبيات التراث، بينما القليلون يعرفون أن إدريس كذلك حي في السماء كما تحكي كتب التراث نفسها؟ فلم يتفرد المسيح بالأمر؟!
• لماذا كانت نجاة المسيح من الصلب (بحسب الفهم التقليدي) نجاة مأساوية، فارق بسببها المسيح أمه الوحيدة وتلاميذه الحواريين؟!
• لماذا كانت نجاة فتية الكهف كذلك نجاة مأساوية حيث دعوا الله أن يرحمهم ويهيئ لهم الرشد فما كان من الله إلا أن أنامهم 300 سنة ليستيقظوا في نهايتها فلا يجدوا أهلهم وأحبابهم، ثم ليموتوا الموتة الكبرى؟!
• وأيضا قصة الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها. أجزاء من يتساءل أن يميته الله 100 عام ثم يبعثه وقد فقد أهله وبنيه وبيته الذي يؤويه؟!
• والتساؤل الأهم والأكثر محورية: لو أنني قد نشأت في عصر سيدي محمد خاتم النبيين، فهل كنت سأؤمن به وأبايعه؟! الحق أنني كنت أقف بإزاء تساؤلي هذا عاجزا عن الجواب، ولم تتسن لي الإجابة إلا بعد انضمامي للجماعة. نعم، بالطبع كنت سأؤمن بالنبي الخاتم وأبايعه، إذ ما الذي كان سيحول دون إيماني بالمعلم إذا كنت آمنت بتلميذه وتابعه؟!
باختصار، فقد كانت تلك التساؤلات قليلا من كثير اختزنته ذاكرتي الطفولية آنذاك، كما شكلت جانبا كبيرا من عاطفتي وانطباعاتي عن المصير في الدنيا والآخرة، بدأ الرعب يتملكني، وثقتي بمفعول الدعاء الذي لم أجربه بعد أخذت في النقصان، إذ ما بال أناس دعوا الله طلبا للنجاة فإذا به ينجيهم ولكن تكون النتيجة بالنسبة إلي أن يتمزق قلبي حزنا؟! لقد بدت الأعمال السينمائية بالنسبة إلي في وقت ما أنجح بمراحل من القصص الديني المتناثر في الكتب الصفراء، فعلى الأقل تتميز تلك الأعمال بما نعرفه اليوم بالنهاية السعيدة، التي طالما افتقر إليها القصص الديني التقليدي.

على أبواب الشباب:
في مرحلة المراهقة وبدايات الشباب كما يعلم الكثيرون، يمر المرء بتقلبات وتغيرات هي أشبه ما تكون بزلازل تخطط ميوله من جديد وترسم شكل تفكيره وتخيله، وقد حدث لي الأمر ذاته، ففي المرحلة الثانوية من التعليم انخرطت في الدراسات العلمية البحتة والتطبيقية، بما فيها من حسابات وتجارب لا مجال فيها للعاطفة والانطباعات الشخصية، فأخذت أشجب شيئا فشيئا جميع التراث السابق، وقد كنت من قبل أقبله لا لشيء إلا لعدم توفر بديل صالح يرضيني.
في مرحلة الشباب ظل القرآن معي، كما استمرت معي تساؤلاتي وحيرتي، ومما عمق تلك الحيرة أن تساؤلاتي اكتسبت حجية علمية، وذات مرة، كنت أتلو سورة يس، فاستوقفني قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} فأخذت أتخيل المشهد، فإذا به يهزني من الأعماق، فعكفت فيه مفكرا حائرا، مما دفعني للالتحاق بكلية العلوم، وتحديدا بقسم العلوم الطبيعية (الفيزياء) لعلي أجد فيه ما يروي غليلي بشأن سبر غور تلك الآية المباركة.
وتم التحاقي بالقسم الذي اخترت، إلا أنه لم يتحقق لي الهدف الذي أردت، فقد كانت الدراسة رياضية صرفة، وقد كنت ممن يجدون مشكلة في استساغة العلوم الرياضية حينها، إلا أنه على أية حال، قد شكلت الدراسة العلمية طبيعة تفكيري، فتركت كلية العلوم بما فيها من رياضيات لألتحق بكلية الآداب والتربية وتخصصت في قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية، وخلال دراستي الجامعية للغة العربية كنت أرتاد المكتبات ودور الكتب وأقرأ في شتى فروع المعرفة، الأدبي منها تبعا لدراستي النظامية، والعلمي التطبيقي كذلك نظرا للعلاقة القديمة التي لم تنفصم بعد، فاطلعت على نتاج الفكر الاعتزالي المعاصر، وبدأ اليقين يعاودني من جديد في أن القرآن يخاطب العقل حقا، وقد أثَّرت فيَّ كتابات المرحوم الدكتور مصطفى محمود، فكانت مرحلة مضيئة في نظري إلى كتاب الله، وإن لم تنحل خلالها مشكلة تساؤلات الطفولة، إلا أنها على الأقل أعانتني على الاستمرار في التفكير في قضايا مثل: الدجال – يأجوج ومأجوج – حياة البرزخ – الشجرة المحرمة... وغير ذلك كثير، ولهذه المرحلة بعد الله تعالى يرجع الفضل في بداية تجرؤي ومن ثم خروجي على أدبيات التراث المدسوسة في التفاسير، وأن ما قاله المفسرون والمحدثون ليس نهاية المطاف، بل إن ما خفي كان أعقل وأجمل.

رحلة البحث عن الأجمل:
في هذه المرحلة بالذات ازدادت علاقتي بالقرآن قوة نسبيا، وبدأت أقرأ كلام الله على أمل استنباط الجديد من الفكر، وصرت أقرأ آيات القرآن وأطرح التساؤلات بنفسي ولنفسي وأبحث بنفسي كذلك عن الإجابات، وشيئًا فشيئًا أصبحت بيني وبين القرآن ما يمكن أن أصفه بالعلاقة الشخصية، صحيح أن هذه العلاقة لم تكن قد وصلت بعد إلى طور الحميمية، إلا أنني على الأقل بدأت أدرك أن القرآن كائن حي، يخاطِب ويستجيب، بل ويتجاوب مع قارئه ويتفاعل معه، الأمر الذي انعكس فيما بعد على فكرتي عن رب القرآن، ذلك الرب المتصف بالحياة منذ القدم، والذي يتعهد عباده دوما بالوحي والتأييد.
و إيمانا بالحكمة القائلة أن على المرء أن يسعى وليس عليه إدراك النجاح، فقد شرعت في السعي لبلوغ بعض نفائس القرآن بنفسي، وشجعني على ذلك أن من المفكرين من سبقني ولم يخيب الله سعيهم، أذكر منهم على سبيل المثال: الدكتور مصطفى محمود، والدكتور عبد الصبور شاهين، بل وبعض رجالات الدعوة كالشيخ محمد متولي الشعراوي، وهكذا شرعت في السعي بنفسي، لعلِّي أجد بعض ما وجدوه. في ذلك الوقت كان هؤلاء الرجال يمثلون القمة بالنسبة إليَّ من حيث جودة الفكر، لذا فقد كان من الطبيعي أن تحدث كتاباتهم أثرا إيجابيا لدي، وقد كان، فكانوا حلقة هامة ضمن سلسلة ارتقائي الفكري.
بدأت أستشعر قوة الإسلام وعظمته وجمال القرآن حقا لا تعصبا، وحاولت على الرغم من التقصيرات أن أتخذه منهج حياة، وقد تزامنت هذه الحال مع وقوع ما كنت أخشاه.

مواجهات فكرية:
في تلك الفترة كنت أخوض نقاشات هادئة مع مسلمين وغير مسلمين، كانت نقاشاتي مع المسلمين تمر بسلام، وكانت النتيجة دوما تحسب لصالح التدين المعتدل ذي الفكر التحرري والذي كنت أناصره، أما على الجانب الآخر، وهو جانب النقاش مع غير المسلمين (أقصد المسيحيين) فقد كانت نقاشاتي معهم تنتهي بمظهر المنتصر، ولكن الحقيقة كانت شيئا آخر أبعد ما يكون عن الانتصار، خصوصا عندما يتمحور النقاش حول حرية اختيار الدين وحد الردَّة في الإسلام، كنت وقتها أدافع عبثا عن حد الردة المزعوم هذا، كان التعصب يعميني عن توجيه النقد لنفسي في وجود الآخر، كنت أظن خطأ أن هزيمتي في نقاش صديقي غير المسلم بمثابة هزيمة للإسلام ككل، فكنت أدافع عن قتل المرتد بينما أصرخ من أعماقي صراخا مكتوما يقول بأنني غير مقتنع بهذا المبدأ.
وبكل أسف، فقد كان أعداء الإسلام ولا يزالون يلدغون الدين الحنيف من الجحر نفسه، ولكن أين المؤمنون؟! ظل الحال على هذا المنوال بضع سنوات حتى وقع ما لم يكن في الحسبان.

الأجسام المضادة أو معاول الهدم البنَّاءة:
استمرت الأحاديث الدائرة بيني وبين أصدقاء مسيحيين، كانت أحاديث تلفُّها الودية ونبذ العنف، بيد أن كلا منا كان متعصبا للفكر الديني الذي يتبعه حتى وإن لم يجهر بهذا، فكان أن اقترح أحدهم عليَّ مشاهدة قناة اسمها (الحياة) تُبَثُّ عبر قمر Hot bird الأوروبي، كما تطوع مشكورا وطرح اسم زكريا بطرس على مسمعي واصفا إياه بالناقد الموضوعي لقضايا إسلامية، ساعتها لم أكن أدرك حقيقة الأمر، وصدقت أن تلك القناة باسمها البراق ودعاية صديقي المسيحي تتبنى النقد البناء فعلا، غير أني لم أقدم على مشاهدتها بنفسي، لم أبدأ في مشاهدتها إلا بطريق الصدفة، وهالني ما شاهدت عبرها وسمعت، إن أبسط ما يمكن به وصف حالي وقتئذ أن قلبي كان يتمزق لما أرى وأسمع، كانت محض وقاحة بكل ما لكلمة الوقاحة من معنى، غير أنها وبكل أسف وأسى مدعومة بكتب شاع عنها أنها إسلامية، كان طاقم القناة المذكورة يستميت في سبيل تشويه صورة نبي الإسلام في أعين المسلمين، لم يكن هذا مستغربا، فعين السخط دوما تبدي المساوئ، وإنما المثير للحيرة والاستغراب أن يستشهد المغرضون بكتابات لمسلمين تطعن في شرف نبيهم. لقد أمست أوقات مشاهدتي للقناة المذكورة كمعارك حامية الوطيس أخرج منها مهزوما دوما. ونظرا لضحالة علمي فأنا معذور، ولكن ما عذر المشايخ الذين يبتدعون ما يستغله الآخرون في الحط من شأن نبينا الكريم وديننا القويم؟!
خلاصة القول، أن فترة متابعتي لقناة الحياة تلك كانت فترة معاناة روحية ونفسية وفكرية، ولكنها لم تعدم ثمارها الطيبة، تماما كما أن الضربة التي لا تقصم الظهر فإنها تقويه. كنت طول الوقت أشاهد زكريا بطرس وأعوانه يتمادون في الوقاحة، وكنت أوقن بتهافت مزاعمهم، بيد أنني كانت تنقصني البراهين، كنت كصانع ماهر يفتقر إلى أدواته، فأي صنعة ترجى من ورائه؟!

أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ؟!
كان اقتنائي لمستقبل بث القمر الأوروبي Hot bird وبالًا عليَّ، كان كأسا تجرعت مرارته لأسابيع، ولكن سبحان من لم يترك داء إلا وخلق له الدواء، وليس ثمة سم إلا وله عند رب الناس ترياق، فعلى قمر الـ Hot bird نفسه عثرت على الترياق، كانت قناة لم تجذب انتباهي بادئ الأمر، حتى أني مررت بها بضع مرات مرور الكرام، كان من اليسير علي أن أدرك هويتها الإسلامية، بيد أنني لم أفقه اللغة المتحدث بها عبرها، كانت مزيجا من اللغات تبعا للفترة الإذاعية أو البرنامج، فتارة يكون البث لبرامج بالإنحليزية، وأخرى بلغة الأردو، كانت قناة MTA ، وكعادتي كنت أحاول البحث عن حلول، فحاولت فك طلسم اسم القناة، فخمنت أن تكون (M) إشارة إلى ماليزيا، (T) تيليفزيون لا سيما وأن ملامح أغلب الطاقم كانت آسيوية على ما يبدو، وكانت المفاجأة؛ فقد أتى الفرج يطل برأسه، حين كنت في إحدى الأمسيات أتنقل مللا بين القنوات، فكان مروري بـ MTA ، وساعتها كانت تبث البرنامج العربي (الحوار المباشر) لمدة ساعتين يوميا، كان الحضور يتألف من الأستاذ محمد شريف صلاح الدين منظما للحوار وكذلك من المحاورين: الأستاذ محمد طاهر نديم (كان وجوده يبدو لي طبيعيا بما أن القناة آسيوية في مجملها بحسب تخميني الأول) والأستاذ مصطفى ثابت رحمه الله (خمنت أنه ضيف أجنبي مسلم، لم أتوقع كونه عربيا حينئذ) والأستاذ تميم أبو دقة (وكان أكثر من لفت انتباهي نظرًا لزيِّه العربي) فأرهفت السمع لما يدور من حوار، فإذا به عن (إعلان وفاة المسيح بن مريم)، من هنا بدأت متابعتي للقناة بانتظام، وفي هذه الأثناء واجهت عقبة كبرى، وهي اللغة، فالبرنامج العربي كانت مدته ساعتين على أقصى تقدير، بينما اللغة السائدة كانت الأردو، وكنت أعاني قصورا في فهمها عدا بعض الكلمات المشتركة بين اللغتين، نحو (خليفة – مسيح – مهدي – إمام – موعود...إلخ) بدا الأمر بالنسبة لي لغزا بحاجة إلى حل، كيف يمكنني فهم تلك المصطلحات معا، لاسيما حين تعرض صورة حضرة مرزا غلام أحمد (عليه الصلاة والسلام) ويكتب تحتها الإمام المهدي والمسيح الموعود، كان السؤال البديهي بالنسبة لي وقتها هو: ما شأن هذا بذاك؟! عرفت فيما بعد من خلال شارة القناة أنها تابعة للجماعة الإسلامية الأحمدية، وأن MTA اختصار لتعبير معناه: التليفزيون الإسلامي الأحمدي.
ولم تزل العقبة الكؤود في ذلك الوقت تتمثل في نهمي للمعرفة والإحاطة بالأمر كله في مقابل قلة المعروض باللغة العربية، فأخذت في الإبحار عبر صفحات شبكة الإنترنت محاولا جمع أي قدر من المعلومات يشفي الغليل، وما كانت أدواتي إلا محرك البحث (Google) فكنت أكتب داخل مربع البحث كلمة (أحمدي) ولكن للأسف، كانت نتائج البحث بالعربية بالعشرات، ولكنها جميعا كانت بعيدة كل البعد عن المطلوب.

عقبات على طريق التذليل :
وفي خضم جمعي الدؤوب لأية معلومات قد تفيد في تعرف أمر تلك الجماعة وشخصياتها البارزة (أعني المسيح الموعود وخلفاءه الأبرار) لاح لي شعاع أمل وطوق نجاة من خلال برنامج الحوار المباشر نفسه، فقد تفضل مدير الحوار الأستاذ محمد شريف صلاح الدين مشكورا بطرح عنوان الصفحة الرسمية العربية للجماعة على الإنترنت، ومن هذه اللحظة اتخذ بحثي وسعيي إلى النور شكلا آخر.
قرأت جميع المواد المعروضة بالموقع تقريبا، فانكشفت لي حقائق طالما أنفدت فيها الوقت والجهد من قبل دون جدوى، كان حل ألغاز الدجال ويأجوج ومأجوج وأمور أخرى من هذا القبيل نقلة نوعية في حياتي، لم ألبث بعد قراءة صفحة الجماعة أن تبنيت أفكارها، ولكن حتى تلك اللحظة لم أكن أدرِ شيئا عن وثيقة الانضمام إلى الجماعة ووجوب بيعة الإمام حتى قرأت عنها ضمن ما قرأت في الموقع الإلكتروني.

امتحان للحياة:
باكتشافي أمر البيعة وضرورتها، وبالرجوع إلى آية الفتح المباركة {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} وكذلك حديث مسلم {وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً} بدأ الأمر يزداد خطورة في نظري لم أكن أتوقع من قبل أن تكون بيعة مبعوث السماء ووضع اليد تحت يده حدثا مشهودا ومحوريا لهذه الدرجة، وباطلاعي على أهمية البيعة للإمام أو من ينوب عنه كانت المشكلة، إذ من أين لي بأشخاص مسلمين أحمديين ألتقيهم وجها لوجه؟! وأنَّى لي أن أضع يدي بيد إمام الوقت؟! هل بالوسع ملاقاته؟! فكيف؟! وأين؟! ومتى؟! لا يبدو الأمر يسيرا أبدا.
بدأت عملية بحث هذه المرة لا عن معلومات ومفاهيم، ولكن عن أشخاص وعناوين، حاولت جاهدا بكل ما تيسر لي من أدوات أن أتصل بأشخاص مسلمين أحمديين عن طريق الشبكة العنكبوتية، فقمت بإرسال رسالة على البريد الإلكتروني لموقع أجوبة عن الإيمان والذي أنشأه الأستاذ مصطفى ثابت -رحمه الله- ردا على بهتانات زكريا بطرس، ولكن لم أتلق أي رد بكل أسف، وأرجعت السبب إلى عظم مسؤوليات أستاذي المجاهد، فخمنت أنه ربما لا يتابع بريد الموقع، فعاودت بحثي مجددا عن أشخاص آخرين، فمن الله عليَّ بفضله أن عثرت على صفحة شخصية بعنوان (أنا مسلم) أنشأها أخ مسلم أحمدي من سوريا يدعى (الأستاذ علاء عثمان) فراسلته عبر صفحته، فما كان منه إلا أن سارع بالرد فسعدت أيما سعادة وشعرت بشيء من الطمأنينة والأمل في اللقاء بمسلمين أحمديين عما قريب. بدأت بمراسلة الأخ الأستاذ علاء عثمان ولم ينقضِ أسبوع حتى تكرم عليَّ بإعطائي البريد الإلكتروني للدكتور محمد حاتم حلمي الشافعي، حينها لم أكن أعلم أنه أمير الجماعة بمصر، سارعت بالاتصال بالدكتور حاتم ولم يلبث ذلك الرجل الكريم أن طلب مني رقم هاتفي، وكنت قبل أن يطلبه أفكر في نفس الأمر وأن أطلب رقم هاتفه، ولكن منعني علمي بحساسية الطلب أن أطلبه، هو لا يعرفني فما الذي يدفعه للمخاطرة بأمنه وأمانه فيعطيني سبيل الوصول إليه بكل بساطة؟! وكنت علمت شيئا من عداوة المشايخ، ولكن ذلك الإنسان المحترم قد غير توقعاتي عندما تكرم عليَّ بطلب رقم هاتفي، فتبادلنا الحديث عبر الهاتف، وكانت المرة الأولى التي يجري فيها حوار حي بيني وبين أخ مسلم أحمدي على الإطلاق، واستمر التواصل بيني وبين الدكتور حاتم الشافعي أسبوعا أو أكثر قليلا، كنت قبلها قد قبلت جميع مفاهيم الجماعة، وقرأت كثيرا من كتبها، ولكن كنت بحاجة إلى من يدفعني دفعة صغيرة لأقفز قفزتي الكبيرة، أكاد أجزم في هذه اللحظة أنه لو كان الدكتور حاتم الشافعي قال لي من أول مكالمة هاتفية:"تعال وبايع إمام الوقت" لكنت فعلت دون تردد. المهم أنني بعد مكالمات قليلة حظيت بلقاء الدكتور حاتم الشافعي بمنزله في يوم الجمعة الموافق 18 يناير 2008، وفي ذلك اليوم السعيد وقعت وثيقة بيعتي لإمام الوقت، خليفة الإمام المهدي والمسيح الموعود، بايعت حضرة مرزا مسرور أحمد (نصره الله وأيد)، بايعته على الولاء والطاعة حبا وإيمانا ويقينا بعد أن تلا الدكتور حاتم عليَّ شروط البيعة العشرة، وكنت قد اطلعت عليها من قبل ورأيت أنني لم أستكملها في نفسي إلا أنني عزمت على البيعة يقينا مني أنها ستكون خطوة على طريق التزكية الكاملة بإذن الله.

على الرغم من البيعة :
أذكر ليلة الجمعة المشهودة في حياتي أنني بتُّ أصارع فكرة شيطانية، وهي أنني لم أكن أدرك بعد كنه موضوع خاتم النبيين، فليس من السهل تغيير عقيدة نما عليها لحم الأكتاف هكذا بين عشية وضحاها، لذا فقد قاسيت الأمرَّيْن كي أدرك كنه الموضوع قبل أن أتوجه لأداء حق البيعة، حاولت دون جدوى، وتوصلت أخيرا إلى قناعة ما، وهي أن جميع ما قدمه المسيح الموعود (عليه الصلاة والسلام) لا غبار عليه، بل وإنه أروع ما يمكن أن يقال، وكل ما قال هدايات لا يؤتاها إلا عبد صادق، بل أصدق الصادقين، فإن كان ثمة قصور في مسألة واحدة ضمن عشرات المسائل الرائعة، فعليه قد يكون العيب في جهتي أنا ومن جانبي، فأنا إذًا في امتحان صعب لن يعينني عليه إلا من وضعني فيه، فليكن عليه تعالى توكلي ورجائي أن يفهمني ويعلمني من هذا الأمر ما لم أعلم. خالجتني هذه الفكرة ليلة البيعة، وتوجهت صباح الجمعة إلى الصلاة ومبايعة الإمام، وكانت نفسي تصرخ قائلة أنني لم أفهم بعد موضوع ختم النبوة، وبعد خروجي من منزل الدكتور حاتم سرت برفقة الأستاذ فتحي عبد السلام فأسررت إليه دخيلة نفسي عن موضوع ختم النبوة وأني لم أفهمه فهما مرضيا بعد ولكني توكلت على ربي ليفهمني ما لم أفهم وليعلمني ما لم أكن أعلم، فرد الأستاذ فتحي عبد السلام قائلا لي ما مفاده أن الله سيلهمني الفهم الصائب فعليَّ ألا أقلق حيال هذا الموضوع، وقد كان، ففي اليوم التالي مباشرة ألهمني الله الحل للغز الذي طالما عكر صفوي، لم يعْنِني إن كان حلا رائعا في نظر الجميع أم لا، وإنما ما كان يهمني أنه حل أرضاني شخصيا حتى وإن بدا في رأي الآخرين تافها، وهو باختصار قائم على السر في التنوع اللفظي، فلفظة خاتم، ولفظة آخر كلتاهما موجودتان في القرآن المجيد في مواضع مختلفة، فإن كانتا تشيران إلى معان متطابقة، فعلام التنوع إذًا؟! إن التنوع اللفظي في حد ذاته في القرآن لدليل دامغ على اختلاف المقصود من كل لفظة عن غيرها. هكذا مكنني الله من قبول المفهوم الحقيقي لختم النبوة، أو فلنقل أنه تعالى مَهَّد أمامي السبيل للارتقاء في الفهم وبلوغ مدارات أوسع وها أنا ذا ألمس بركات ذلك الفهم في نفسي حتى اللحظة وأدرك بفضل الله كل يوم أمرا جديدا فيما يتعلق بمفهوم الختم، فالحمد لله رب العالمين.

البيعة، مفتاح خزائن البركات:
تشغل الرؤى والمكاشفات حيزا لا بأس به من أحاديث الإخوة المسلمين الأحمديين بينهم وبين بعضهم البعض أو بينهم وبين الآخرين من شتى الفِرق، وبالنسبة إليَّ فيجدر بي أولا أن أتحدث عن واقع حالي الروحاني قبل انتظامي في سلك هذه الجماعة المباركة، لقد كنت قبلها أعاني من فقر مدقع على المستوى الروحاني، حتى أني لم أرَ رؤيا واحدة (أو هكذا أظن) طول ما انقضى من عمري البالغ وقتئذ تسعة وعشرون عاما، ولكن لم ينقضِ الأسبوع الأول بعد بيعتي حتى انفتح لي باب الرؤى الصادقة على مصراعيه، وأغلبها حتى الآن تحقق كفلق الصبح المسفر. لقد مثلت لي تلك الرؤى إشارات ربانية فهمت منها أن الله يثبت فؤادي وينبئني أنني أبدا ما ضللت السبيل.
بدأت رؤاي برؤيا فسرها لي الأستاذ فتحي عبد السلام بأنني سلكت السبيل الآمن ببيعتي للإمام، ثم تلتها رؤى أخرى شاهدت فيها حضرة أمير المؤمنين مرزا مسرور أحمد نصره الله، وكنت أجاهد وصولا إلى ظاهر يده الشريفة كي أقبلها ورأيتني أبكي بكاء مرًّا.
وكثرت الرؤى التي رأيت فيها الخليفة الخامس نصره الله وكلها كانت مطمئنة ومبشرة بفضل الله، أذكر منها واحدة:
• رأيت أن حضرته (نصره الله) يتقدم موكبه مستقلا دراجة بخارية، ويجلسني أمامه كما يجلس الصغار. ألتفت ورائي لأرى أمير المؤمنين مغمضاً عينيه أثناء القيادة وكأنه في حالة نوم أو ما شابه، فقبلته على خده الأيمن، وأوقفت الدراجة وأرقدت مولاي على ظهره، فلم يلبث أن فتح عينيه، وأشار بيمناه إلى الموكب فأقبل منه أستاذي مصطفى ثابت ومعه ورقة بيضاء مكتوب فيها اسمي وسلَّمها لحضرته.
ومن أعظم الرؤى ما رأيت خلالها سيدي محمد المصطفى (صلى الله عليه وسلم) أو خادمه المخلص الأمين الإمام المهدي والمسيح الموعود (عليه الصلاة والسلام)
• رأيت في منامي وكأني أقف بجوار جذع نخلة، وإذا بي أرتفع صاعدا دون تسلق ودون أي جهد مني حتى استقر بي الصعود فوق قمة النخلة، فإذا بي أرى سيدي محمدا واقفا وبجواره أمنا عائشة جالسة، وتمد يديها إلي لأرى الماء ينبع من كفيها بغزارة فأخفض رأسي شاربا من ماء صاف بارد شعرت ببرودته حتى بعد أن نهضت من نومي.
• في أيام اعتقال بعض إخوتي المسلمين الأحمديين بمصر وعلى رأسهم الدكتور حاتم حلمي الشافعي، رأيت كأن أشخاصا بملابس عسكرية ينهالون عليَّ وعلى جمع من الإخوة المسلمين الأحمديين ضربا داخل زنزانة، ونرى المسيح الموعود بيننا وكلما حاول أحد العساكر الاقتراب منه أو لمسه كانت قوة خفية تلقيه بعيدا كما لو كان عصفا مأكولا أو ورقة شجر في مهب الريح فما كان منا نحن الأحمديين إلا أن التففنا حول حضرته (عليه الصلاة والسلام) طلبا للحماية، وفي الأخير وقفنا لالتقاط صورة جماعية بصحبة المسيح الموعود وكنا نرتدي ملابس ذات لون بني مائل للحمرة نسميه في مصر (الكاكي).
• رأيت كأن عربات الأمن المركزي الزرقاء القبيحة تأتي محملة بعساكر يفتحون أبوابها الحديدية ويخرجون منها طاولات كالتي يعرض عليها السمك في الأسواق، وكانت تلك الطاولات محملة بالسمك المجمد، ولكن ما إن وضعها العساكر على الأرض حتى ذاب الثلج وصار السمك يتقافز بعنفوان وكأنما لم يقتله الجليد أبدا. فهمت من هذه الرؤيا أن فرج الإخوة المعتقلين قريب ومستقبل الجماعة في مصر مزدهر بإذن الله.
• كما رأيت الخليفة الرابع حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله) وكان يؤمني في الصلاة وكنا نصلي في مكان يبدو وكأنه غرفة.
• ورأيت المصلح الموعود (رضي الله عنه) وكنت في ذلك الوقت منهمكا في البحث والتدبر في أمر ما، وكان ضمن بحثي بضعة أحاديث تتناول نفس الموضوع، ومنها حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول فيه: "...يَقُولُ الْجَبَّارُ بَقِيَتْ شَفَاعَتِي فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنْ النَّارِ فَيُخْرِجُ أَقْوَامًا قَدْ امْتُحِشُوا "، فرأيت ليلتها المصلح الموعود يخاطبني في موضوع الشفاعة قائلا: "يُخْرَجُ بالشفاعة من النَّارِ أَقْوَامٌ قَدْ انْتُجِزُوا "، رأيته وكان بهيئته التي تعرضها قناة MTA حين كان حضرته (رضي الله عنه) يخطب.
إن باب الرؤى والمكاشفات لا يلبث أن ينفتح للمرء حتى يأتي معه ببشريات وسكينة تجعله يطمئن إلى أنه لم يضل الصراط المستقيم، وقد كانت الرؤى التي سردتها هنا غيضا من فيض، حيث لا يتسع المقام مكانا وزمانا لسرد جميعها.

صعوبات ما بعد البيعة:
عند حديثي عن الصعوبات أو العقبات التي واجهتني بعد بيعتي وانضمامي إلى جماعة الإمام المهدي والمسيح الموعود، لا أجد عقبات من النوع الذي اعتدنا سماعه، بل لقد أصبحت حياتي من الجانب العقائدي تحديدا سلسلة من التيسيرات بحمد الله وفضله، فلم ألق محاولات من الآخرين بالضغط عليَّ لثنيي عن الارتداد عما نشأت عليه إلا نادرا وكلها محاولات من أناسٍ قاصرين فكريا وخلقيا، يبدؤون عادة بزعمهم بطلان ما أنا عليه ثم ينتهي الأمر بهم إلى اللوذ بالسخرية والسب عجزًا منهم عن هدم صرح الأحمدية الفكري. فلم أواجه إذًا صعوباتٍ بالمعنى المتعارف عليه، وهذا من فضل الله عليَّ ورحمته بي هو خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

رؤية الخليفة :
يعجز المرء عن وصف حقيقة مشاعره حين يشاهد بأم عينيه حضرة أمير المؤمنين مرزا مسرور أحمد (نصره الله وأيد) وهو يلقي خطبة أو يقوم بجولة، وتتوالى أسئلة النفس للنفس، أسئلة من قبيل (هل أنا في حُلْمٍ أم عِلْمٍ؟!) أو (متى تحين الفرصة كي أقبل يده الشريفة وقدميه المباركتين؟!)، وظل الوجد يعتمل بداخلي شوقا لملاقاة مولاي، ولَكَمْ نظمت من القصيد وجدًا ولهفةً للقائه (أيده الله) حتى أكرمني الله بفضل منه بلقاءِ حبيبي الذي هو حبيب الله ورجله وخليفته صاحب التمكين في الأرض.
كان لقائي إياه عند مسجد لندن الموسوم ببيت الفضل، لقاء ذا مهابة وجلال امتزجا بالحب والجمال، لا يكاد المرء يشعر وقتها إلا وهو يخر على يديه (أيده الله) بكاء وتقبيلا، لا سيما حين وجه إليَّ حضرته كلمة ترجمها الأستاذ عبد المؤمن صاحب: "رأيتك أمس في الصف الأول عند صلاتي المغرب والعشاء وكنت أفكر فيك" وقتها صرت أسأل نفسي مستصغرًا إياها: "من أنا حتى يذكرني ربي فيُذَكِّر خليفته في أرضه بي؟!" إنه أمر لا يملك المرء نفسه إزاءه إلا أن تنهمر عيناه بكاءً.

انطباعي الخاص بعد حضور الجلسة السنوية لأول مرة – سبتمبر 2012:
عندما يشرع الإنسان في كتابة انطباعه الخاص عن حدث ما فإنه يسترجع بعض المواقف بصورة تلقائية بما يحدد انطباعه، وبالنسبة لي شخصيا فقد كان حضور الجلسة السنوية لجماعتنا الإسلامية الأحمدية بصحبة مولاي المؤيد ذي الرأي المسدد حضرة مرزا مسرور أحمد الخليفة الخامس، أملا طالما راودني وحلما قلما زايلني.
لم أكن لأتصور أن يكون الاستقبال بهذه الحفاوة، فمنذ أن وطأت قدمانا (أنا وزوجتي) أرض مطار هيثرو بلندن انتهت علاقتنا بحقائبنا، حيث تكفل الإخوة من مجلس خدام الأحمدية بتحمل عناء شحنها بالسيارة التي أقلتنا إلى نُزُل إقامتنا في الجامعة الأحمدية الجديدة، وكذلك في حديقة المهدي. لا شك أن اللغة كانت عائقًا بعض الشيء، إلا أنه تم تجاوز هذا العائق ببشاشة وجوه خدام الأحمدية وناصراتها، كانت ابتسامة وإشارة كفيلتين بترجمة مدلول جمل طويلة، وعلى مدى أسبوعين هما مدة إقامتنا بالجامعة الأحمدية الجديدة لم نشعر بشيء من سوء المعاملة ولا حتى الضيق المكتوم، على الرغم من طلباتنا المستمرة وعائق التواصل اللغوي سالف الذِّكر.
وفي حديقة المهدي كان مشهد من مشاهد الفردوس، فحتى أفراد الحراسة القائمين بتفتيش الحقائب كانت تعتلي وجوههم ابتسامة رفق ولين نادرا ما نلمحها فيمن سواهم من أطقم أمن وحراسة، حتى ليبدو للمرء أنهم أشبة بملائكة حافظين.
في حديقة المهدي كذلك لفت نظري أمر أسعدني أيما سعادة! فجميع الضيوف تقريبا والذين كانوا من غير المسلمين وجدتهم يلقون تحية الإسلام (السلام عليكم)، ساعتها تردد في ذهني قول المولى جل في علاه: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} فهؤلاء الضيوف ما كان لهم أن يلقوا تحية السلام لولا أنهم قوبلوا بالسلام، فتيقنت أن رسالة الإسلام الحق قد بلغتهم (الحب للجميع ولا كراهية لأحد).
وأخيرا توَّج الله جل في علاه رحلتنا بلقاء الطبيب، وبقية من ذرية الحبيب، رجل الله في أرضه، وصاحب مفاتح جنان خلده، سيدي مسرور أحمد (نصره الله نصرا عزيزا).
ومرت أيام إقامتنا بجوار حِبِّنا سراعًا، وقفلنا راجعين إلى مصر محملين بشوق أزيد مما كان يعتمل بداخلنا قبل اللقاء، وراجين من الله دوام التواصل مع حبيبنا مسرور أحمد، فاللهم لا تحرمنا قربه وبارك لنا فيه وبارك له فينا يا رب العالمين. آمين ثم آمين.

أحقر الخدام / سامح مصطفى
القاهرة – مصر


 

خطب الجمعة الأخيرة