loader
 

شهر رمضان المبارك

Orange Dot أهلا بك يا رمضان
Orange Dot نفحات نبوية رمضانية
Orange Dot حبلٌ متين من ربٍّ رؤوفٍ رحيم...
Orange Dot الصيام.. مسائله وبركاته
Orange Dot حقيقة الصيام - من كلام الإمام المهدي عليه السلام

أهلا بك يا رمضان

أهلاً بك يا رمضان.. أهلا بشهر الجود والخير والإحسان، أهلا بشهر التوبة والعبادة والإيمان، أهلا بالشهر الذي أُنزل فيه القرآن. لقد عُدتَ إلينا وعادت أيامك، وأضاء بعد طول غياب نور هلالك. لقد انتظرناك انتظار المشتاق، فجئت إلينا بعد غيبة وفراق. فالحمد لمن بارك فيك الأوقات، والشكر لمن خصك باليمن والبركات. هو الله الذي جعلك للتقوى سبيلا قويما، وأرادك للعابد رفيقا حميمًا، وفتح بك للتائب بابا رحيما.
أنت الذي يجتمع فيك الأطهار، وتمتلئ المساجد بالصلوات والأذكار، يعبدون ربهم بخشوع وانكسار، ويسدلون على ذنوبهم حُجُبَ الأستار، يظهرون ولاءهم كل إظهار، يجتنبون المعاصي وفعل الخسار، يطلبون الستر من رب ستار، ويسألون العفو من رب غفار، يخافون بطش العزيز الجبار، ويعبدون الله الواحد القهار، وفي العشر الأواخر من شهر الأنوار، في ليلة القدر والأقدار، ينادي الله عباده الأطهار، وتتنزل عليهم الملائكة الأخيار، ببشرى من الله لعباده الأبرار، فلله دَرُّك يا شهر الأذكار.
أنت شهر الهدى.. يتبتل الناس فيك تبتيلا، وأنت شهر الذكر.. أنزله الله فيك تنزيلا، وأنت شهر القرآن.. يرتله العباد فيك ترتيلا. يا رب إني أحمدك حمدا جزيلا، وأثني عليك ثناءً جميلا، أريد أن أحكي لك هما ثقيلا، وأشكو إليك خطبا جليلا، وأريد يارب أن أدعوك دعاءً طويلاً طويلا، فلا أدري بغير الدعاء لرحمتك سبيلا، فاسمع من عبادك الملهوفين كَلِمًا وقيلا، واستجب يا رب لمن كنت عنه وكيلا، ولا ترُدّ من جاء يسعى لبابك ذليلا، يرجو رحمة منك ويخشى عذابا وبيلا.
يارب هل الظلم من تعاليم الأديان؟ أم أنه من ظلم الإنسان لأخيه الإنسان؟
يارب.. لماذا كان النصر دائما حليف الأعداء؟ والمسلمون لا ينتصرون إلا في الأغاني وخطب الزعماء؟ أليسوا عبادك أم صاروا أهل رياء؟ لماذا هبطوا الحضيض بعد أن كانوا في علاء؟ لماذا صاروا في جهالة بعد أن كانوا علماء؟ لماذا أصابهم الذل بعد عزة وهناء؟ لماذا أصبحوا أمواتا في دنيا الأحياء؟ هل ما زالوا عبادَك أم صاروا من الأعداء؟ هل غاب عنهم الأبرار ومات الصُلحاء؟ يارب من منهم المسؤول عن هذه الغمّاء؟ أم هم جميعا في الجرم شركاء؟ يارب أنت القدير ذو الآلاء، فارحم أهل دينك الضعفاء، يارب أَسـمِعْهم صوتَ منادي السماء، ليتبعوا داعي الحق كالعقلاء، وألِّفْ بين قلوبهم بمحبة وإخاء، وارحمهم يارب فأنت خير الرحماء. يارب استجب لنا هذا الدعاء، من أجل نبيك خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم.
يارب.. بحق هذا الشهر الكريم شهر الصيام، الذي يأتينا عاما بعد عام، اهْدِ بهداك إخوة الإسلام، وأَعِزَّ بعزتك أمةَ الإسلام، وصَلِّ على محمد خير الأنام، حبيب الإله حبيب الكرام، رسول الهدى رسولِ السلام، نبيِّ الرحمة عظيم العُظام، سيدِ الخَلق في أعلى مقام، فخرِ العباد كريم لا يُضام، عظيم الخُلق لِنقص لا يُلام، سراج منير وبدره تام، وجهه صبوح من الابتسام، تهواه النفوس بشوق الهُيام، ويصبي القلوب بأحلى وشام، كريم السجايا بليغ الكلام، شفيع البرايا رفيع المقام، رفيق الملائك بصُحب الكرام، صفيّ السماء في البيت الحرام، رعاه الحفيظ الذي لا ينام، حباه الإله بأعلى وسام، فختم النبوة بحُسن الختام، نصلي عليه ونلقي السلام، عليه الصلاة وأزكى السلام.

("كلمة التقوى"، مجلة التقوى عدد تشرين الأول 2004م)


 تنزيل الكلمة بملف PDF



نفحات نبوية رمضانية

عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه أن الرَسُولُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَال: قالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ. وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ، وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ وَلا يَصْخَبْ. فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ. (صحيح البخاري، كتاب الصوم)

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّم: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. (صحيح البخاري، كتاب الإيمان)

حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلالٍ قَال:َ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ رَضِي اللَّه عَنْه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَة.ِلا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُم. يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُم. فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ . (صحيح البخاري، كتاب الصوم)

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتِ الشَّيَاطِينُ. (صحيح مسلم، كتاب الصيام)

عن أبِي هُريرةَ رضي الله عنه قَالَ: قالَ النَّبي صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَدَع قَولَ الزُّورِ والعَمَلَ بِهِ فَلَيسَ للهِ حَاجةٌ فِي أنْ يَدعَ طَعَامَه وشَرَابَه. (صحيح البخاري، كتاب الصوم)

عَن جَعْفَر بْن عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيّ عَنْ أَبِيهِ قَال: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَلا تَنْتَظِرُ الْغَدَاءَ يَا أَبَا أُمَيَّةَ. قُلْتُ: إِنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ: تَعَالَ أُخْبِرْكَ عَنِ الْمُسَافِرِ: إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْهُ الصِّيَامَ وَنِصْفَ الصَّلاةِ. (سنن النسائي، كتاب الصيام)

عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْد ِاللَّهِ رضي الله عنه قَال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: صَائِمٌ. فَقَالَ: لَيسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّومُ فِي السَّفَرِ . (صحيح البخاري، كتاب الصوم)

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَائِمُ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ. (سنن ابن ماجة، كتاب الصيام)

عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِرَجُلٍ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ يُرَشُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ، قَال: مَا بَالُ صَاحِبِكم هَذَا؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه،ِ صَائِمٌ. قَالَ: إِنَّهُ لَيسَ مِنَ الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ، وَعَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ فَاقْبَلُوهَا. (سنن النسائي، كتاب الصيام)

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدَ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ. وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. (صحيح البخاري، كتاب بدء الوحي)

عَن عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ الله ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ. (صحيح البخاري، كتاب الاعتكاف)

عَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَشُ وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَرُ. (مسند أحمد بن حنبل، باقى مسند المكثرين)

("الأسوة الحسنة"، مجلة التقوى أعداد تشرين الثاني 2002م، تشرين الأول 2003م، تشرين الأول 2005م)


PDF File تنزيل الأسوة الحسنة (القسم الأول) بملف PDF
PDF File تنزيل الأسوة الحسنة (القسم الثاني) بملف PDF
PDF File تنزيل الأسوة الحسنة (القسم الثالث) بملف PDF



حبلٌ متين من ربٍّ رؤوفٍ رحيم...

"شَهرُ رَمَضانَ الذي أُنزِلَ فيه القُرآنُ هُدًى لِلنّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الهُدى وَالفُرقانِ"

ها هي أيام رمضان تفوح بشذى ربيع روحاني مُزهِــرٍ في جِنانِ مليكٍ مقتدر. وقد ترقّبه المؤمنون طويلاً كي يُحلّقوا بين ثنايا زهراته الفيحاء يستنشقون رحيقها الزّكي كفراشات تطير بأجنحة بديعة الألوان، تحوم بين حدائق الياسَمين والأُقْحُوان، أو كنحل يرنو لرحيق زَهْرٍ يمتصه ويغذيه ليصنع منه شهدًا وعسلاً يكون شفاءً وبلسَمًا.
هكذا يكون شوق المؤمنين لرمضان ووقْعُهُ على نفوسهم، إذ ترقّبوه ملء قلوبهم بالعشق والاشتياق، فهو معراجٌ ترتقي فيه روحانيتهم، وتسمو في علياء الإيمان، فتصفو فيه قلوبهم فتكون مهبط كشف وإلهام، فيطيرون بجناحين ليسا من صنع إنسان ولا تدبير جان، بل من فيض صومٍ وقُرآن، وجُودٍ وإحسان، هِبةً من الله الرحمن لزمرة من أتباع خير الأنام.
لقد عاد هذا الزّائر الكريم ليصل الرّحم بخير أمة، فهو زائرٌ يرأف بفقرائها فيواسيهم، وبمرضاها فيشفيهم، وبِعُصاتِها فَيهديهم، وكيف لا يكون على هذا المقام وهو من ربٍّ ذي جلالٍ وإكرام!، ولِما لا يكون هذا الزائر المعطاء محطّ تعظيم واشتياق وترحيب، فتُخصّص له ساحات القلوب بالزينة، وتلْهَجَ الألسُنُ لتحيته بالشعارات، وتُحشَدَ لهُ حُشودُ النّاس من الصّغار والكبار، ليكون لهم نصيب من الكرامات والإنعامات. أو ليس هو الشهر الفضيل الذي تـمَّ فيه خير تنزيل؟ وكشف فيه جبريلُ أكمل تنزيل على قلب الطاهر الأمين! فطوبى لمن حَفَدَ إليه مع الأحباب، بالعِناق والتِّرحاب، فَشَرَعَ له الأبواب، وأسكنه ديار نفوسه أو أَمّرهُ على الأهل والأولاد، والعشيرة والأحفاد، وصار من العباد الذين هم من رعايا مملكة السماء التي صَفّدت الشياطين بالأصفاد..
فيا معشر المسلمين.. أكرموا رمضان ليُكرمكم ربكم إكراما ويُباعِدَ بصيامكم وقيامكم عنكم الهوان، واجعلوا أيامه أيام إيمان واحتساب قبل أيام اللّوم والعِتاب، فهو سيّد الشهور، يُرزقُ فيه الصائم بالتنعُّم والحُبور، ويُكْسَى حُلّة الأنوار والمعارف والرُّؤى، ويشعُرُ بلقاء القريب الذي يستجيـب. بل وطُويت لهُ الأيّام والسّنون حتى اقتربنا من محمد العربي الحنون فصرنا له مِنْ شهدة العُيون.. فرمضان بمثابة مجيء الرحمن، الذي أراد اجتذاب عباده بالكلام، بحبلٍ هو طرفٌ منه، وَطَرَفٌ آخَرَ موصولٌ في يد المؤمنين، فطوبى لمن استمسك بالحبل المتين وتسلّقهُ لمُلاقاته ونجا بنفسه من الجحيم، ولم يَشُك أنه من ربٍّ رؤف رحيم، سبقَتْ رَحمَتُه غضبه، ووسعت كل ذرة في الكون. فلهُ الحمدُ والشّكرُ سبحانه على جميل صُنعه وفِعله بما جعل لنا صيام رمضان من هديه وشَرْعِه إلى يوم الدين.. فاتّقوا إخواننا فيه المعاصي والذنوب، وأمسكوا فيه لسانكم عن الطّعن والتنابز والأذى، وكل ما نهى الله عنه من الموبقات والمفاسد والأذى، فليس الصوم جوعٌ وعطشٌ وإمساك شهوات فحسب بل هو أمرٌ جامعٌ لحساب النّفس وجعلها محطّ عين رقيب، فبئس الصائمُ الذي ليس لهُ حظٌ من صيامه إلا الجوع والعطش، وبئس القائم الذي ليس له من قيامه إلا السّهر، واعلموا أن رسولنا الهادي الأمين صلى الله عليه وسلم قد أعلنها صراحة أن مَنْ لم يَدَع قول الزّور والعمل به فليس لله حاجةٌ في أن يَدَعَ طَعامَهُ وشرابَه. واعلموا أن الله تعالى رقيب صيامكم بما أوكل لنفسه أمر الصوم، والمجازاة عليه، أوليس هو القائل "الصوم لي وأنا أجزي به"!. فأمْعِنوا وفكّروا في هذا الركن العظيم كيف أحياهُ الرسول الكريم، وسيروا على نهجه القويم، فهو خيرُ من أكرم هذا الشهر العظيم، بما عُرِفَ عنهُ أنه أجود بالخير فيه من الرّيح المُرسَلَة، وبتلاوته القرآن ومدارسته في أيامه الغُرِّ، وباعتكافه وشدهّ لمئزره عند الأواخر العَشْرِ حيثُ ليلةُ القَدْرِ فيها خيرٌ من ألف شهر.
فيا غُرّة شهر رمضان، اجعل أسماءنا في طيّ صفحات سِجِلِّك مع الفائزين برضوانه سبحانه، والموفين بحقوقه كلها، من صيام وتهجد وقيام، لنكون مستحقين استحقاق وعد الرحمن، رحمةٌ في أوله ومغفرةٌ في وسطه وعتقٌ من النار في آخرِه، ونجنا من أولئك الأشقياء الذين حَرموا أنفسهم من بركاتك ونعماء ربّك، فاسودّت قلوبهم بمعاداة القرآن وظهور أيام الحق والفرقان.. وركنوا إلى العصيان بتعمُّد الفسق والطُّغيان..؟! فيا ربنا الرؤوف الرحيم الكريم، ها أنت ترى حال المسلمين وما هم فيه من وضْعٍ سقيم.. سُعِّرَتْ نار الفتن وطار الأمان، ونُكّست رايات الإسلام، ونُصِبَتْ أعْلاَمُ استسلام، وحلَّ القهرُ وسطوةُ الجَوْر، وتداعى الدّجال بجُنده يغزو الأمصار ويُمزّقُ الأقطار. لا يَرُدُّهُ استحشادُ حُشود ولا استنفار جُنود، سوى حربتك من السماء.
فاتّقوا الله، وفكّروا في شأن شهر الصيام وعزّة أيام خير الأنام صلى الله عليه وسلم ليكون لكم قَدَمُ صِدْقٍ، هو سبيل خَطْوِكُم للأمَام نحو مثابات لا يصلُ إليها غيركم، مهما بَلَغَ من أسباب.. قوة ومُلْك وعُمران، فهي لكم من الله وسيلة، وتقوية للبصيرة، فلا تُغلَبُون بعدها مهما حَبَكَ الخُصومُ من حيلة، كونكم في حِصْنِ الله الحصين، حيثُ لا يَدْنُو الشيطانُ الرجيم.. فانتهزوها فُرصةً رمضانية لإنقاذ الحال من الطوفان والأهوال، فهو حبلٌ يُدْلى من السّماء، لا يُمسِكُ به سوى من أيْقَنَ أنه حَبْلٌ مَتينٌ من رَبٍّ رؤفٍ رحيم. وصلى اللّه على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين إلى يوم الدين، اللّهم آمين.

("كلمة التقوى" مجلة التقوى عدد تشرين الأول 2003م)


 تنزيل الكلمة بملف PDF



الصيام.. مسائله وبركاته

قال الله تعالى في كتابه الكريم:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ *} (البقرة: 184- 186)
إن شهر رمضان المبارك هو بمثابة فصل الربيع في عالم الروحانية كما أن هناك فصل الربيع في العالم المادي. وما أسعَدَهم أولئك الذين يشهدون فصل الربيع هذا مرة أخرى في حياتهم، لأن هناك الكثيرين الذين فارقوا الدنيا قبل أن يزورهم هذا الزائر الكريم هذه السنة.
لقد بشرَّنا سيدنا محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم ببركات هذا الشهر الكريم قائلا:
"أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ، فَرَضَ اللَّهُ عز وجل عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ. تُفْتَحُ فِيهِ أَبْوَابُ السَّمَاء،ِ وَتُغْلَقُ فِيهِ أَبْوَابُ الْجَحِيم، وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ. لِلَّهِ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر، مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حُرِمَ". (النسائي، كتاب الصيام)

عبادة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان
لقد وصفت لنا السيدة عائشة رضي الله عنها كيفية صلاته صلى الله عليه وسلم وعبادته في رمضان، فَقَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً. يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلا تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلا تَسألْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاثًا. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ، إِنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ ولا يَنَامُ قَلْبِي. (البخاري، كتاب الجمعة)
وقالت أيضا:
كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ شَدَّ مِئْزَرَهُ وَأَحْيَا لَيْلَهُ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ. (البخاري، كتاب التراويح)
وهناك رواية أخرى:
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مَا لا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ. (سنن ابن ماجة، كتاب الصيام)
لقد سمِّي رمضان في الحديث الشريف بسيد الشهور أيضا لكونه يضم بركات لا حصر لها. ولقد ظل الصلحاء والأبرار في الأمة يتمتعون بها منذ فجر الإسلام. يُرزق الصائمون المخلصون أثناء هذا الشهر الكريم بحلل عجيبة من الروحانية، إذ تُستجاب دعواتهم، وتُفتح عليهم أبواب الأنوار والمعارف، ويتمتعون بنعمة الإلهام والكشوف والرؤى، وفوق كل ذلك فإنهم ينالون لقاء الله سبحانه وتعالى.
يقول سيدنا المصلح الموعود، الخليفة الثاني للمسيح الموعود عليه السلام، في هذا الصدد:
"فرمضان شهر لـه أهمية خاصة كبيرة. والذي في قلبه حب صادق للإسلام واهتمام بالإيمان لا بد وأن يشعر بهيجان خاص في قلبه، ورعدة سارية في جسمه.. كلما حلَّ شهر رمضان. مهما طالت القرون بيننا وبين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ومهما باعدت السنون والأيام بيننا وبين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلا أنه كلَّما حلّ علينا رمضانُ شَعَرْنا أن هذا الشهر طوى كل هذه الشُقَّة من الشهور والسنين والقرون، وقرّبنا من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقرِّبْنا إليه فحسب، بل بما أن القرآن نـزل من الله فيخيَّل إلينا أن رمضان قد طوى هذه المسافة وأوصلنا إلى الله. هذه المسافة التي تكون بين الإنسان وبين الله، والبُعد الذي يكون بين المخلوق والخالق، والشُقة التي بين عبد ضعيف حقير وبين خالق السماوات والأرض.. قد انكمشت وانمحت وزالت زوال ظلمة الليل بأشعة الشمس. وإلى هذه الحالة يشير الله تعالى في قوله: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب}. عند حلول رمضان يسألك عبادي: كيف يمكن لنا الوصول إلى الله؟ فقل لـهم: إن مجيء رمضان هو مثابة مجيء الله تعالى. إن هذا هو الشهر الذي تجلّى الله فيه لعباده، وأراد فيه أن يجتذبهم إليه بكلامه الذي هو بمثابة حبل الله.. الذي أحد طرفيه عند الله وطرفه الآخر في يد العباد، ومن واجبهم أن يتسلقوا بهذا الحبل ليصلوا به إلى الله". (التفسير الكبير الترجمة العربية ج2 ص390-391)
يقول سيدنا أحمد عليه السلام:
"إن من عادتي أنني لا أترك الصوم إلا إذا كانت حالتي الصحية سيئة لدرجة لا تطاق، وإن طبعي لا يقبل ترك الصوم إطلاقا. إنها لأيام مباركة، وهي أيام نزول أفضال الله ورحمته". (جريدة "الحَكَم" 24 يناير 1901م ص5)

بركات الصيام ومنافعه
لقد رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال فيما يروي عن ربّه:
كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ عز وجل: إِلاّ الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ، فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِه،ِ وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فِيهِ (أي رائحة فمه) أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. (مسلم، كتاب الصيام)
وورد أيضا:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أُعْطِيَتْ أُمَّتِي خَمْسَ خِصَالٍ فِي رَمَضَانَ لَمْ تُعْطَهَا أُمَّةٌ قَبْلَهُم: خُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَتَسْتَغْفِرُ لَهُمُ الْمَلائِكَةُ حَتَّى يُفْطِرُوا، وَيُزَيِّنُ اللَّهُ عز وجل كُلَّ يَوْمٍ جَنَّتَهُ ثُمَّ يَقُول: يُوشِكُ عِبَادِي الصَّالِحُونَ أَنْ يُلْقُوا عَنْهُمُ الْمَئُونَةَ وَالأَذَى وَيَصِيرُوا إِلَيْكِ، وَيُصَفَّدُ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ فَلا يَخْلُصُوا إِلَى مَا كَانُوا يَخْلُصُونَ إِلَيْهِ فِي غَيْرِه، وَيُغْفَرُ لَهُمْ فِي آخِرِ لَيْلَةٍ. قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَهِيَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ؟ قَال: لا، وَلَكِنَّ الْعَامِلَ إِنَّمَا يُوَفَّى أَجْرَهُ إِذَا قَضَى عَمَلَهُ. (مسند أحمد بن حنبل، باقي مسند المكثرين)
وفي رواية أخرى:
لَقِيَ النَّضْرُ بْنُ شَيْبَانَ أَنَّهُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ لَهُ: حَدِّثْنِي بِأَفْضَلِ شَيْءٍ سَمِعْتَهُ يُذْكَرُ فِي شَهْرِ رَمَضَان. فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ذَكَرَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَفَضَّلَهُ عَلَى الشُّهُورِ وَقَالَ: مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ. (سنن النسائي، كتاب الصيام)
ومن بركات رمضان أيضا أنه يعتق القائم به من النار كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا. (مسلم، كتاب الصيام)
وليس المراد من الصوم أن يبقى الإنسان جائعا أو عطشان فقط بل إنما المراد أن يقوم به مراعيًا كل مقتضياته التي، منها "إيمانا واحتسابا" كما ورد في الحديث الشريف.
لذا فيجب على الصائم أن يتقي المعاصي والذنوب بإمساك لسانه وحفظ نفسه عما نهى الله عنه حتى ينال حظًّا وافرًا من بركات الصوم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلا يَرْفُثْ وَلا يَجْهَلْ، وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ. (البخاري، كتاب الصوم)
وإلا فلن يجني من الصوم إلا العـــطش والجوع فقط لقوله:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلا الْجُوعُ وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلا السَّهَرُ. (سنن ابن ماجة، كتاب الصيام)
وورد في حديث آخر:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ. (البخاري، كتاب الصوم)
يقول سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام:
"ليس الصوم أن يبقى الإنسان جائعًا وعطشان فقط، بل لـه حقيقته وتأثيره اللذانِ يطّلِع عليهما الإنسانُ من خلال التجربة. ومن طبيعة الإنسان أنه كُلّما أكل قليلا كُلّما حصلت لـه تزكية النفس، وازدادت قواه الكشفية". (الملفوظات ج9 ص123)
يقول سيدنا المصلح الموعود رضي الله عنه، الخليفة الثاني للمسيح الموعود عليه السلام، في هذا الصدد:
"من أكبر منافع الصوم أنه يدرب الإنسان على تحمل المشقة والشدة في سبيل الخير.... إن جسم الإنسان وعقله لا يبقيان فارغين بدون عمل، بل إن الإنسان يعمل عملا ما في كل حين. ولكن بعض أعماله لغو وضار، وبعضها مفيد وخير. ولكن رمضان يدربه على ما يعَوِّده على تحمل المشاق والشدائد في أعمال الخير.... وكذلك يتقي الصائم من الذنوب بإمساك لسانه كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يَدَع طعامه وشرابه." (البخاري، كتاب الصوم).. أي لا يعني الصوم أن يمتنع الإنسان عن الطعام والشراب طول نهاره، بل عليه أن يحمي فمه من كل ما يضر روحانيته، فلا يكذب ولا يسب ولا يغتاب ولا يختصم. الأمر بحفظ اللسان عام، ويجب العمل به دوما، ولكن الصائم يحفظ لسانه بصفة خاصة، وإلا فسد صومه. وإذا تعوّد الإنسان على حفظ اللسان لشهر كامل تمكّن من حفظ نفسه سائر الشهور أيضا. هكذا فإن الصوم يحميه من الذنوب على الدوام... وقوله تعالى: {لعلكم تتقون} يذكر منفعةً أخرى للصيام.. وهي أنه يثبّت قدم الإنسان على التقوى، ويتيح لـه نوال المدارج الروحانية العليا حتى ورد في الحديث أن الله تعالى يقول: "الصوم لي وأنا أُجزَى به" أي أن لكل حسنة أجرا خاصًا، أما الصوم فأنا الجزاء للصائم. وإذا فاز الإنسان بالله فما ذا يريد بعد ذلك". (التفسير الكبير، الترجمة العربية ج2 ص372-373)
وقال في موضع آخر:
"ومن منافع الصيام أيضا أن المؤمن يتدرب في هذا الشهر على التخلي عن حقوقه المشروعة. إنه يتدرب خلال أحد عشر شهرا على ترك الحرام، ولكنه في الشهر الثاني عشر - رمضان - لا يترك الحرام فقط، وإنما يتدرب على ترك الحلال أيضًا. وكأننا في غير أيام الصيام نقدم نموذجا لترك الحرام لوجه الله، ولكن في الصيام نقدم نموذجا لترك الحلال لوجه الله". (التفسير الكبير، الترجمة العربية ج2 ص376)
يقول سيدنا الخليفة الرابع - رحمه الله - للإمام المهدي عليه السلام:
"الذين لا يصومون هذا الشهر لا يدرون كم من حسنات يُحرَمون منها. إنهم لم يتجشّموا الجوع لبضعة أيام، ولم يتحملوا القيود لبضعة أيام فقط ولكنهم حُرموا من نِعَمٍ كبيرة وكثيرة، وقُيِّدوا في سلاسل الدنيا أكثر من ذي قبل، لأن الذي لا يتحمل قيودا يفرضها رمضان فتتغلب الدنيا على أمره. والحق أنه يتسبب في قيد نفسه بنفسه في حبال المادية، ويصير هؤلاء الناس عبيدا للحياة الدنيا يوما فيوما، ثم لا يقدرون على فكِّ هذه السلاسل ولو أرادوا ذلك. لذا من الضرورة بمكان أن يستعدّ الإنسان لتحمل قيود رمضان لبضعة أيام بكل بشاشة وسرور.... وسوف تشاهدون بعد تحمل هذه القيود أن لها فوائد لا تنتهي. المشاق التي تتحمّلونها لبضعة أيام سوف تخلف فوائد جمة فتأكلون ثمار هذه الأيام القلائل طوال السنة". (خطبة الجمعة بتاريخ 15أبريل عام 1988م)
هذا، ولهذا الشهر الكريم علاقة خاصة مع تلاوة القرآن الكريم والإنفاق في سبيل الله تعالى بالجود والسخاء، الأمر الذي يتجلى من الحديث الشريف التالي:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلّم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآن. فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلّم أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. (البخاري، كتاب بدء الوحي)
فشهر رمضان يذكّر المسلمين بكلام الله تعالى ومن أجل ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإكثار من تلاوة القرآن الكريم في رمضان، ولذلك نهتم - نحن الجماعة الإسلامية الأحمدية - بإلقاء دروس القرآن الكريم فيه. فعلى الإخوة أن يكثروا في هذا الشهر الكريم من تلاوة القرآن الكريم والتدبر في معانيه وتطبيق أوامره ونواهيه في حياتهم اليومية.

لا صوم على المريض والمسافر
يقول الله تعالى في كلامه المجيد:
{فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر...} (البقرة: 185)
وهناك حديث نبوي شريف:
عَن جَعْفَر بْن عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ عَنْ أَبِيهِ قَال: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَلا تَنْتَظِرُ الْغَدَاءَ يَا أَبَا أُمَيَّةَ. قُلْتُ: إِنِّي صَائِمٌ، فَقَالَ: تَعَالَ أُخْبِرْكَ عَنِ الْمُسَافِرِ: إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْهُ الصِّيَامَ وَنِصْفَ الصَّلاةِ. (سنن النسائي، كتاب الصيام)
وورد في حديث آخر:
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْد ِاللَّهِ رضي الله عنه قَال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: صَائِمٌ. فَقَالَ: لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ . (البخاري، كتاب الصوم)
ويقول حديث آخر:
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: صَائِمُ رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ كَالْمُفْطِرِ فِي الْحَضَرِ. (سنن ابن ماجة، كتاب الصيام)
وهناك رواية أخرى تقول:
عن جَابِر بْن عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِرَجُلٍ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ يُرَشُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ، قَال: مَا بَالُ صَاحِبِكُمْ هَذَا؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَائِمٌ. قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ أَنْ تَصُومُوا فِي السَّفَرِ، وَعَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ فَاقْبَلُوهَا. (سنن النسائي، كتاب الصيام)
يروي مرزا بشير أحمد رضي الله عنه، نجل سيدنا الإمام المهدي عليه السلام رواية تبين لنا موقفه عليه السلام من الصوم في السفر فيقول:
"لقد أخبرني الأخ عبد الله السنوري رضي الله عنه أنْ جاء إلى سيدنا المسيح الموعود عليه السلام في شهر رمضان ضيفٌ وكان صائما، وكان الجزء الأكبر من النهار قد مضى، ربما كان الوقت بعد صلاة العصر، فقال عليه السلام لـه: "يجب أن تُفطر". قال الضيف: "لم يبق من النهار إلا قدر يسير، فما الفائدة من الإفطار الآن؟" فقال عليه السلام: "إنك تريد أن تُرضي الله بالقوة، والله تعالى لا يرضى بالقوة بل يرضى بالامتثال لأمره. فما دام الله تعالى قد أمر المسافر بعدم الصوم فينبغي ألا يصوم". فأفطَرَ الضيف صومه". (سيرة المهدي ج1 رواية رقم 177)
وفي موضع آخر يقول عليه السلام:
"والذي يصوم رمضان في حالة السفر والمرض إنه يعصي صريحَ أمر الله. لقد قال الله تعالى صراحة بأن لا يصوم المسافر والمريض، بل يصومان بعد الصحة ونهاية السفر. فيجب العمل بحسب أمر الله، لأن النجاة تتوقف على فضل الله تعالى، ولا يمكن لأحد أن ينال النجاة بفضل أعماله. ولم يحدد اللهُ السفر قصيرا كان أم طويلا، ولم يحدد المرض أيضا قليلا كان أم كثيرا، بل الأمر عام ويجب العمل به. فلو صام المسافرون والمرضى لأُطلِقت عليهم فتوى ارتكاب العصيان". (جريدة "البدر" 17 أكتوبر عام 1907م)
يقول سيدنا المصلح الموعود، الخليفة الثاني للمسيح الموعود عليه السلام، في هذا الصدد:
"لقد لاحظت بالتجربة أن هناك إفراطا وتفريطا عند المسلمين بصدد الصيام. فهناك بعض المثقفين الذين لا يؤمنون ببركات رمضان، ويتركون الصوم بدون مرض أو عذر شرعي. وعلى النقيض هناك من المسلمين من يحصرون الإسلام في الصيام، ويتوقعون من كل شخص، وإن كان مريضا أو ضعيفا أو شيخا هرما فانيا أو طفلا صغيرا أو سيدة حاملا أو مرضعا، أن يصوم في كل حال، وإن زاده الصوم مرضا أضر بصحته.
....كذلك اشترط الإسلام لصيام رمضان ألا يكون الإنسان مريضا.. سواء كان مريضا بالفعل أو يهدده المرض إذا صام، كما في حالة الحامل أو المرضع، أو الشيخ الفاني الذي تدهورت قواه، أو الطفل الصغير الذي هو في طور النمو. فعلى كل هؤلاء ألا يصوموا. إن صوم المسافر أو المريض لغوٌ كصوم الحائض. من ذا الذي لا يعرف أن الحائض إذا صامت فليس فيه أية حسنة، بل هو جهل وغباء". (التفسير الكبير، الترجمة العربية ج2 ص280)

فديـة الصـوم
إن الذين يقدرون على الصيام عمومًا ولكنهم لا يستطيعون أن يصوموا في أيام رمضان بسبب مرض أو سفر، عليهم أن يؤدوا الفدية ويصوموا فيما بعد بدل الأيام الفائتة من رمضان. أما الذين لا يقدرون على الصوم إطلاقا فيكفيهم أداء الفدية دون أن يصوموا ما فاتهم.
يقول سيدنا أحمد عليه السلام:
"في إحدى المرات خطر ببالي سؤال عن حكمة الأمر الإلهي بأداء الفدية، فعلمتُ أن هدف هذه الفدية هو أن يوفَّق صاحبُها للقيام بالصيام، لأن الله تعالى هو الموفِّق لكل شيء، فلنطلب منه وحده كل شيء. إنه القادر تمام القدرة على أن يوفِّق المسلول أيضا للصيام إذا أراد ذلك. لذا فالأنسب للذي هو محروم من الصيام أن يدعو الله تعالى قائلا: إلهي، إن شهرك هذا شهرٌ مباركٌ، وأنا لا أزال محرومًا من بركاته، ولا أدري هل سأكون حيًّا في العام القادم أم لا، أو هل سأقدر على أن أصوم الأيام الفائتة أم لا، وهكذا يسأل اللهَ عز وجل التوفيقَ. وإنني على يقين أن الله تعالى سوف يوفِّقُ شخصًا كهذا". (الفتاوى الأحمدية ص175)

ندعو الله تعالى أن يوفقنا جميعًا للقيام برمضان إيمانا واحتسابا، ويمتِّعَنا ببركاته، ويديمها فينا وفي أجيالنا، ويعيننا على ذكره عز وجل وشكره وحسن عبادته، ويتقبلها قبولا حسنًا، آمين.

(إعداد: عبد المجيد عامر، مجلة التقوى عدد تشرين الثاني 2002م)


PDF File تنزيل المقالة بملف PDF



حقيقة الصيام - من كلام الإمام المهدي عليه السلام

ثالث أركان الإسلام هو الصيام، ولكن الناس يجهلون حقيقة الصيام. من فطرة الإنسان أنه كلما كان قليل الأكل كلما كان أكثر حظًا من تزكية النفس وازدادت فيه قوى الكشف... فالله تعالى يريد بالصيام أن نُقلل من غذاء ونكثر من آخَر. يجب على الصائم أن يتذكر دائما أن الصوم لا يعني أن يجوع فقط، بل عليه أن يشتغل في ذكر الله تعالى حتى يحصل له تبتل وانقطاع إليه عز وجل. فليس الصوم إلا أن يستبدل الإنسان بالغذاء الذي يساعد على نمو الجسم فقط غذاء آخر تَشبع به الروح وتطمئن...
الرَمض يعني: حرارة الشمس، وبما أن الإنسان من ناحية يكف عن الأكل والشرب وغيرهما من الملذات البدنية، ومن ناحية أخرى يخلق في نفسه حرارة وحماسا للعمل بأوامر الله تعالى، فاجتمعت الحرارة الروحانية والحرارة الجسمانية فصاراتا "رَمَضان"...
{شَهْرُ رَمَضانَ الذي أُنْزِلَ فيه القرآنُ}.. بهذه الجملة الوحيدة يدرك المرء عظمة شهر رمضان. لقد كتب الصوفية أن هذا الشهر صالح جدا لتنوير القلب، ويحظى فيه الإنسان بالكشوف بكثرة. إن الصلاة تقوم بتزكية النفس، وأما الصوم فيحصل به التجلي على القلب. والمراد من تزكية النفس أن يصير العبد في معزل عن شهوات النفس الأمارة، وأما التجلي على القلب فيعني أن يُفتحَ عليه بابُ الكشف بحيث يحظى برؤية الله عز وجل...
إن الدعاء برهان قوي على وجود الله تعالى، يقول عز وجل: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}؛ أي إذا سألك عبادي: أين إلهنا، وما البرهان على وجوده، فقل لهم: إني قريب جدا. والدليل على ذلك أنه عندما يناديني الداعي أرد على دعائه.
وهذا الرد حينًا يأتي في صورة رؤيا صالحة، وحينا آخر في شكل كشف، وتارة عن طريق الإلهام، وعلاوة على ذلك يُظهر الله قدرته وقوته بسبب الدعوات، ويعلم العبد أنه عز وجل قادر لدرجة أنه يحل المشاكل. فالدعاء كنـز كبيـر وقوة عظيمة..
إن في الدعاء موتا.. فمثلا لو ادعى إنسان أن عطشه الشديد قد زال بشرب قطرة من الماء لَعُدَّ كاذبا، ولكنه لو شرب كوبًا مملوء لصدقه الناس. فالإنسان حينما يدعو بكل لوعة واحتراق لدرجة أن روحه تذوب وتسيل على عتبة الله فعندئذ يُعتبر دعاؤه دعاء حقيقيا. وقد جرت سنة الله أنه حينما يتم الدعاء بهذا الأسلوب فإنه عز وجل إما يقبله أو يجيب السائل ويخبره بالكلام.... انظروا إلى الولد فإنه حينما يضطرب من شدة الجوع ويصرخ طالبًا اللبن، ينـزل اللبـن بقوة في ثدي أمه، مع أن الولد لا يعرف ما الدعاء؟... هذا أمر قد اختبره كل إنسان قريبا. وقد شُوهد في بعض الأحيان أن الأم لا تشعر بأي أثر للبن في ثديها، بل في كثير من الأحيان لا يوجد اللبن حقا، ولكن ما أن تسمع صرخة الولد المؤلمة إلا وينـزل اللبن في ثديها على الفور.
فكما أن هناك علاقة بين صرخات الطفل وبين نزول اللبن فإنني أقول لكم بكل صدق إنه إذا كانت صرخاتنا أمام الله تعالى مصحوبــة بمثل هذا الاضطراب والاضطرار فلا بد أن تُـحدث جيشــانًا في فضله ورحمته عز وجل وتستدرّها علينـــا..

("من كلام الإمام المهدي" مجلة التقوى عدد تشرين الأول 2003م)


PDF File تنزيل من كلام الإمام المهدي بملف PDF




زاوية المقالات والمدونة والردود الفردية هي منصة لعرض مقالات المساهمين. من خلالها يسعى الكاتب قدر استطاعته للتوافق مع فكر الجماعة الإسلامية الأحمدية والتعبير عنها بناء على ما يُوفّق به من البحث والتمحيص، كما تسعى إدارة الموقع للتأكد من ذلك؛ إلا أن أي خطأ قد يصدر من الكاتب فهو على مسؤولية الكاتب الشخصية ولا تتحمل الجماعة الإسلامية الأحمدية أو إدارة الموقع أي مسؤولية تجاهه.
 

خطب الجمعة الأخيرة