loader
 

حقيقة الملائكة

"حقيقة الملائكة" هي الفقرة الأولى من محاضرة عن الملائكة ألقاها حضرة ميرزا بشير الدين محمود أحمد ( رضي الله عنه ) الخليفة الثاني للإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام. وكان ذلك في إجتماع عقدته الجماعة الإسلاميّة الأحمديّة في أواخر ديسمبر من سنة 1920.
 

 

Orange Dot هل الملائكة مخلوقة?
Orange Dot رؤية الملائكة
Orange Dot نوع الملائكة
Orange Dot  طبقات الملائكة
Orange Dot عِصْمة الملائكة
Orange Dot طاعة الملائكة و قدرتها
Orange Dot صفة الملائكة من حيث التأثّر و التأثير
Orange Dot عدد الملائكة
Orange Dot درجات الملائكة
Orange Dot طاقة الملائكة
Orange Dot إرادة الملائكة
Orange Dot علم الغيب
Orange Dot كلّ ملكٍ مُختصٌ بعملٍ مُعيّن
Orange Dot إختلاف الملائكة باختلاف المظاهر و الصفات
 
هل الملائكة مخلوقة?

قد يتبادر إلى الذهن أنّ الملائكة ليست مخلوقة و هذا تصوّر خاطئ إنساق إليه المسيحيّون فتوهّموا أنّ روح القُدُس غير مخلوق و أنّما هو جزءٌ من الله تعالى و يؤدّي ذلك إلى أنّ جبريل عليه السلام هو الله. و على العكس من ذلك فإنّ الإسلام يُعلن صراحة أنّ الملائكة مخلوقة, فقد جاء في سورة الصّافات:

(الصافات:151)

و يعني ذلك أنّ الملائكة مخلوقة و أنّ خالقها هو الله تبارك و تعالى. و هنا قد يًعنّ للبعض أن يسأل: هل هم خالدون أم ميّتون؟ ثمّ إنّ المفروض أنّ كلّ مخلوق لا بدّ من أن يموت و هذه مسألة أُخرى.

وعلى كلّ حال فالجواب أنّه لمّا كانت روح الإنسان محفوظة فبالمثل تظلّ الملائكة باقية أو ربّما يفنى بعضها أو يبقى بعضها محفوظًا. و نُشير بهذه المناسبة إلى أنّ بعض المذاهب الأخرى ترى خلاف هذا الذي ذكرناه, فاليهود يعتقدون أنّ كلّ إلهامٍ جديد يأتي به ألوفٌ من الملائكة الجدد ثمّ يهلكون بعد انتهاء مهمّتهم. أماّ المذهب الزرادشتيّ فإنّه يقول بعدم فناء الملائكة و هو قولُ يتفق و ما قلنا آنفًا.

 

رؤية الملائكة

و النقطة الثانية عن حقيقة الملائكة هي ما إذا كان من الممكن رؤيتها أم لا. و الواقع أنّه يستحيل على الإنسان رؤية الملائكة بالعين الطبيعيّة لأنّها مخلوقات روحانيّة, و قد جاء في القرآن الكريم ردًّا على مطالبة الكفّار إنزال ملكين من السماء

(الأنعام - 10)

أي أنّه يستحيل رؤية الملائكة على حقيقتها بالعين البشريّة فإنّما يكون ذلك في هيئة أُخرى خلاف وجودهم الحقيقيّ أمّا رؤيتهم على صورتهم الحقيقيّة فلا تكون إلّا بالعين الروحانيّة.

رُبَّ سائلٍ يسأل: لماذا لا تنزل الملائكة في شبه إنسان كي يراهم الناس؟ و الجواب على ذلك أنّه لو نزل مَلَكٌ في صورة إنسان لكان موضع شُبهة و لَشكَّ الناس في أمره هل هو ملَك أو إنسان..و بذلك يظلّ ما في قلوبهم من شك موجودًا كما هو و بالتالي يشكّون أيضًا في ما إذا كان ما يقول هذا الرجل هو كلام ربّ العالمين أم هو كلام الرجل نفسه, و من ثُمّ لا فائدة من نزول الملائكة بحيث يراهم الناس بعيونهم الماديّة لأنّ الشكّ و الاعتراض يظلان قائمين.

 

نوع الملائكة

و النقطة الثالثة الجديرة بالذكر هي أنّ هذه المخلوقات ليست ذكورًا و لا إناثًا بدليل الآية:

(الصّافات: 151)

و قد سبق الاستشهاد بها في مجالٍ آخر في الفقرة الأولى. و ليس المقصود هنا نفي الأنوثة عن الملائكة و إثبات الذكورة. فحَسَب سياق الكلام يتّضح أنّ الآية تتضمّن تسفيه زعم من قالوا أنّ الملائكة إناث فجاء الردّ هنا مؤكّدًا نفي هذا الزعم مبيّنًا أنّ القول بأنّ الملائكة إناث أو ذكور لا أساس و لا سند له لأنّهم لم يشهدوا خلقهم, ثمّ إنّ ذلك التنوّع لا يكون إلّا في الأشياء الماديّة و أمّا في الأمور الروحانيّة فلا تذكير و لا تأنيث. و بالمثل ينبغي ألّا يُفهم بأنّ روح الذكر مذكّرة و روح الأنثى مؤنّثة ذلك لأنّ التذكير و التأنيث إنّما هو في شكل الوعاء أي الجسم و أمّا ما يحتويه أي الروح فشيءٌ آخر.

 

طبقات الملائكة

و الحقيقة الرابعة التي نعرفها عن الملائكة هي أنّهم ثلاث طبقات و ليسوا من قسم أو نوعٍ واحد, و يُشير إلى ذلك قوله تبارك و تعالى:

(غافر: 8)

و يتبيّن من هذه الآية أن ّفئات الملائكة ثلاث: إثنتان بدلالة النصّ و الثالثة بإشارة النصّ. فالنوع الأولّ يحملون العرش, و النوع الثاني هُم من حول العرش, وأمّا النوع الثالث فهم الذين تُبعث معهم الأحكام الشرعيّة إلى الأرض. أي أنّ هناك طبقة من الملائكة دون الذي من حول العرش. و يُؤيّد ذلك الأحاديث الشريفة إذْ يَثبت منها أنّ فريقًا من الملائكة مًخصّصون لأشياء مختلفة. و مِثل هذا المفهوم موجود عند الزرادشتيين فهم يقولون بوجود سبعة ملائكة, و ما من شيءٍ في هذ الحياة الدنيا إلّا و له علاقة بهؤلاء السبعة.

و كذا ورد في القرآن الكريم أنّ عرش ربّ العالمين يحمله يوم القيامة ثمانية (سورة الحاقّة – الآية 18) و لا يعني ذلك أنّ هناك إيوانًا من الذهب و الفضّة و إنّما ترمي الآية إلى تصوير وصفٍ أسمى يُظهر أُلوهيّة الله تعالى. ففي العالم الثاني – أي عالم القيامة – يتجلّى ذلك بالملائكة الثمانية. و لكن في هذا العالم كما هو ثابت من الاستدلال يتجلّى من أربعة ملائكة. و حاصل القول أن ّالملائكة تنقسم إلى ثلاثة أقسامٍ أو أنواع: ألاوّل يحمل العرش, و الثاني أدنى درجة و هو كمعاون للنوع الأوّل و لكنّه من المقرّبين أيضًا إذ أنّه حول العرش, و الثالث هو الطبقة الدُنيا و يقوم بمختلف الأعمال. و تِبْعًا لقوله تعالى:
(المُدّثِّر : 32)

فإنّه يستحيل عد أو حصر هذه الطبقة من الملائكة. هذا و من الثابت من أقوال كثير من الأنبياء أنّ كُلّ شيءٍ يحدث بفعل الملائكة.

 

عِصْمة الملائكة

و الأمر الخامس الجدير بمعرفته عن الملائكة هو أنّها لا ترتكب ذنبًا أو معصية وعلى العكس من الإنسان فإن ّفيه مادة تجعله قابلًا لارتكاب الخطيئة. فقد يرفض كلام الأنبياء بل قد يُنكر وجود الله تعالى و قد يتمادى في المعصية حتّى أنّه قد يُسيئ بالقول إلى ذات الله تبارك و تعالى. أمّا الملائكة فليست فيهم تلك المادة و لم يُخلقوا قادرين على فعل شيء من هذا, و إذا وازنّا بينهم و بين الناس فإنّ دائرة عملهم محدودة, و أمّا الإنسان فإنّه يخرج أحيانًا عن نطاق هذه الدائرة. و قد وُصِفت هذ الناحية من خَلْقِهم في قوله تبارك و تعالى

(التحريم : 7)


 

طاعة الملائكة و قدرتها

ليس من طبيعة الملائكة ألّا تعصى الله تعالى فحَسْب, بل إنها تواظب على الطاعة و تدأب على العمل. فعدم عصيان أوامر الله تعالى شيء و عدم تنفيذ أوامره جلّ و علا و عدم القيام بها شيءٌ آخر. و بيان ذلك أنّك قد تأمر شخصًا بأن يحمل شيئًا ما إلّا أنّه لضعفه لا يقوى على أن يفعل ذلك. ففي هذه الحال لا يُسمّى ذلك عصيانًا إنّما هو عجز أو عدم مقدرة. أمّا إذا كان الشخص يقدر على حِمْل ذلك الشيء و لم يفعل ففي هذه الحال يُسمّى ذلك عصيانًا. فقوله تبارك و تعالى كما جاء بالآية ( ...لا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَ يَفعَلُونَ مَا يُؤمَرُونَ ) يُشير إلى أنّ في الملائكة استعدادًا أو قابلية لأن يقدروا على فِعل كلّ ما يؤمرون به, فهم ليسوا كالنّاس منهم من يميل إلى الطاعة و منهم من يميل إلى العصيان. ثمّ إنّ الإنسان قد يرغب في فعل شيءٍ ما و لكنّه قد يعجز أحيانًا عن النهوض به كما لو أراد أن يُصلّي واقفًا و لكنّ المرض أو كِبَر السِّن قد يضطره إلى أداء الصلاة و هو جالس.

صفة الملائكة من حيث التأثّر و التأثير

و الأمر السابع هو أنّ الملائكة لا تتأثّر بمن حولها من مؤثّراتٍ و لا تستجيب لمؤثّرٍ من الخارج أو الغير, أمّا باقي المخلوقات فمهما كانت قوّتها فإنّها عُرضة للوقوع تحت تأثير الغير. إلّا أنّه بالنسبة للإنسان فهناك حالات, ذلك أنّ بعض الناس يتأثّرون بالغير و البعض الآخر يُقاوم. فلأنبياء يتأثّرون مثلًا بالحسنات و الطيّبات, ففي الحرب مثلًا قد يشتر ك النبيّ في المعركة و يتأثّر بها كبشَر و لكنّه محفوظٌ من مالمؤثّرات السيئة الشريرة. أمّا الملائكة فهم محفوظون دائمًا من المؤثّرات. و قد أُشير إلى ذلك في سورة التحريم
( ...عَلَيْها ملائِكةٌ غِلاظٌ شِدادٌ.. )[الآية 7] فهذه من صفة الملائكة: غِلاظٌ شِداد أي لا يؤثّر فيهم شيءٌ مطلقًا.

نعم, إذا أُمِروا أن يُؤثِّروا في الغير فعلوا ذلك, و هذا ليس بمقدور الإنسان. فقد يُمكنه أن يؤثّر على الغير تارةً, و قد يعجز عن ذلك تارةً أُخرى. فالإنسان من حيث الصفات يمكنه أن يفعل أو يقتبس شيئًا و لكن ليس من جميع الوجوه. و قد جاء في القرآن المجيد

(الفتح : 30)

و يتبيّن من ذلك أن ّالمؤمنين أشدّاء أيضًا كالملائكة و لكن على الكُفّار فقط أمّا فيما بينهم فهم رُحماء يتأثّر بعضهم ببعض. و جاء في القرآن المجيد
(التوبة : 73)

أي حاربهم و جاهدهم و لا تتأثّر بهم. و حاصل القول أنّ المؤمن على وجه العموم, يُؤثّر في الغير و لكن لا يناله تأثير الغير و لا يتمكّن منه إلّا في بعض الأُمور, أمّا الملائكة فلا يتأثّرون من أي وجهٍ من الوجوه.

 

عدد الملائكة

أمّا عدد الملائكة فإنّه غير محدّد و لا معلوم بالنسبة للنّاس, و في ذلك يقول القرآن الكريم:

(المُدّثِّر: 32)

 

درجات الملائكة

نجد أنّ بين الملائكة أيضًا من هم رؤساء و من هم مرؤسون. و ليس هذا لأنّ بعضهم كبير و بعضهم صغير بل لأنّ كلّاً منهم يُختص بعملٍ معيّن في موضعٍ معيّن. قال تعالى:

(السجدة: 12)

و قال تعالى أيضًا
(الأنعام: 94)

و قال جلّ و علا:
(النِّساء: 98)

فإذا ما تدّبرنا هذه الآيات الثلاث معًا يبدو من الآية الأولى أنّ قبض أرواح جميع النّاس مُسندٌ إلى ملَكٍ واحد. و هذا لا يتناقض بل يدلّ بوضوح على أنّ الموت موكول إلى ملَكٍ واحد و أنّ هذا الملَك له مساعدون كثيرون يطيعونه و يقومون بقبض الأرواح. و ما دام هناك تدرّج في مسألة الموت فبالمثل نستنتج أيضًا وجود سلسلة ملائكيّة في غير ذلك من المسائل تبدأ بملَكٍ أكبر ثمّ تتدرّج أو تنحدر إلى مُساعدين و تابعين.

 

طاقة الملائكة

تُعتبر طاقة الملائكة بالقياس إلى طاقة الإنسان محدودة. فالملائكة على حالٍ واحدة دائمًا أبدًا, أمّا الإنسان فيتقدّم و يرتقي. قال اللهُ تعالى في كِتابه العزيز

(البقرة : 32-33)

و الحكمة في تعلُّمِ آدم عليه السلام دون الملائكة هي لأنّه أكثر استعدادًا منهم لأن يكون مَظهرًا للصفات الإلهية. و حاصل القول هو أن قوى الملائكة و طاقاتهم محدودة بالقياس إلى الإنسان و إنْ كان كُلّ ما يفعله الملائكة لا يكون خلافًا لأمر الله تعالى و إرادته.

 

إرادة الملائكة

للملائكة إرادةٌ مُحدّدّة و مَثَل هذه الإرادة المحدودة كمثَل الفرس الذي يُربط من عنقه إلى الشجرة فيمكنه أن يدور حولها كما يشاء و لكن في دائرة محدودة لا تتعدّى طول الحبل. و هكذا أيضًا الملائكة فإنّها تتحرّك حول مركز معيّن و لا تبتعد عن نطاقِ مُعيّن. و هذا الحدّ هو الذي تعنيه الآية

(التحريم: 7)

و هكذا نلمس إرادة الملائكة المحدودة فيما يتعلّق بالأرض و ما يحدث فيها بصورة واضحة في الآية
(البقرة: 31)

فقد وَجّهوا السؤال إلى الله تعالى للإستفسار عن الفساد الذي سيُحدِثُه الإنسان في الأرض و ما هو النّظام أو التدبير الذي سَيُتَّخَذُ لذلك, و توجيه السؤال يدُلّ على أنّ للملائكة قوّة إرادة في بعض المسائل المعيّنة لا تتعدّى صدورها, و هي في دائرة الفضيلة و لا تصلُ إلى الشرّ وحدوده.

هذا و إنّ سياق الآية يدلّ على أنّ موقف الملائكة كان موقف المستفسر لا المعترض و لكن رُبَّ قائلٍ يقول أنّ الملائكة ليست لهم إرادة مستقلّة و أنّ الله تعالى هو الذي ألهمهم أن يسألوه هذا السؤال و ثمّ فعلوا ذلك. و لكن هذا الفرض خطأ بدليل قوله تعالى في الآية التالية (.. إِنْ كُنْتُمْ صَادِقينَ) أي إن كُنتم مُحقّين في هذا السؤال. و هذا يدُلُّ على أنّ سؤالهم لم يَكُن موزعًا من عند الله تعالى بل صادرٌ عن إرادتهم. و ثابتٌ أيضًا من الأحاديث أنّ للملائكة إرادة في بعض المسائل, فعن أبي سعيدٍ الخدري قال:"أَلا أُخبركم بما سمعته من فِيْ رسول الله صلىّ الله عليه و سلّم؟ سمعته أذُناي ووعاه قلبي.. إنّ عبدًا قتل تسعة و تسعين نفسًا ثمّ عرضت له التوبة فسأل عن أعلم أهل الأرض فدُلَّ على رجلٍ فأتاه. فقال: إنّني قتلتُ تسعةً و تسعين نفسًا فهل لي من توبة؟ قال: بعد تسعةٍ و تسعين نفسًا.. قال – أي رسول الله صلّى الله عليه و سلّم- فانتضى سيفه فقتله فأكمل به المائة.

ثمّ عرضت له التوبة فسأل عن أعلم أهل الأرض فدُلَّ على رجل فأتاه فقال: إنّني قتلتُ مئة نفسًا فهل لي من توبة؟ قال– أي رسول الله صلّى الله عليه و سلّم- فقال (العالم ): ويحك و ما يحول بينك و بين التوبة؟ أُخرج من القرية الخبيثة التي أنت فيها إلى القرية الصالحة كذا و كذا فاعبد ربَّك فيها. فخرج يريد القرية الصالحة فعرض له أجله في الطريق فاختصمت فيه ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب, قال إبليس: أنا أولى به لأنّه لم يعصني ساعةً قط. قال – أي رسول الله صلّى الله عليه و سلّم- فقالت ملائكة الرحمة إنَّه خرج تائبًا." و في رواية أُخرى عن حميد الطويل عن بكر بن عبد الله عن ابن رافع, قال :"فبعث الله عزّ و جلّ ملَكًا فاختصموا إليه ثُمّ رجعوا. فقال – أي رسول الله صلّى الله عليه و سلّم- أنظروا أي القريتين كانت أقرب فألحقوه بأهلها".
(سنن إبن ماجّه – كتاب الدّيَات- باب هل لقاتل مؤمنٍ توبة)

و يُستنتج من ذلك أنّ للملائكة قوّة إرادة. ثمّ أنّه يتّضح من الآية
(ص : 70)

أنّ الملائكة يتجادلون فيما بينهم في بعض المسائل و هذا لا يكون إلّا إذا كانت لهم قوّة إرادة و إنْ كانت محدودة جدًا.

 

علم الغيب

يتّضح من القرآن المجيد أن ّالملائكة لا تعلم الغيب فقد جاء في سورة سبأ:

(ألاية 41-42)

فلو كان للملائكة عِلمٌ بالغيب لما أظهروا جهلهم بعبادة طائفةٍ من النّاس لهم. هذا و لا يُمكن أن يُقال أنَّ الله تبارك و تعالى وَجَّه إلى الملائكة هذا السؤال عبثًا أي دون أن يكون هناك من عبدوا الملائكة فعلًا, و إنّما وجّههُ عن حكمة و هو عزّ و جلّ مُنزّهٌ عن ذِكر شيءٍ غير حقيقيّ. ثم أنه يظهر من بعض الكتب السابقة أنّ بعض الناس كانوا يعبدون الملائكة فعلًا.

و من هذا نعلم أنّ بعض الملائكة الذين كانوا يُعبدون يُنكرون ذلك يوم الحساب لجهلهم بتلك العبادة. هذا و قد ورد في الأحاديث النبويّة ما يدلّ على أنّ الملائكة لا يعلمون الغيب, فقد رُوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ رجلًا يُسمّى بأسماء المؤمنين و يفعل أفعال المؤمنين و لكن عندما يعرض الملائكة الكاتبون أعماله على الله تبارك وتعالى يأتي صوتٌ من السماء بأن يُرجعوه و يُعيدوا عملهُ إلى وجهه إذ أنّ صلاته لم تكُن لوجه الله سُبحانه و تعالى. و يتّضح من هذا أنّ الملائكة لم يُعطوا العِلم الحقيقيّ إذ لو كان عِندهم هذا العِلم لما رفعوا مِثل هذه الصلاة إلى الله تبارك و تعالى, و هي صلاةٌ ليست لوجهه و لا تستحقّ أن تُعرض عليه.

 

كلّ ملكٍ مُختصٌ بعملٍ مُعيّن

و الحقيقة الثالثة عشر هي أنّ لكُلّ شيءٍ ملَكًا خاصًّا موكلٌ به, و يتّضح من ذلك مِمّا رُوِيَ عن عائشة رضي الله عنها بأنّها قالت للنبيّ صلى الله عليه وسلم : "هل أتى عليك يومٌ كان أشدَّ من أُحُد؟" قال صلى الله عليه وسلم :"لَقِيتُ مِن قومكِ ما لقيتُ و كان أشدّ ما لقيتُ مِنهُم يوم العَقبة إذ عرَضْتُ نفسي على ابن عبد كُلال فلم يُجِبْني إلى ما أردتُ فانطلقت و أنا مهمومٌ على وجهي فلم أستفق إلّا و أنا بقَرْنِ الثعالب فرفعتُ رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلّتني فنظرت فإذا فيها جبريل عليه السلام فناداني فقال إنّ الله قد سمع قول قومك و ما رَدُّوا عليك و قد بعث إليك مَلَك الجبال لتأمر بما شِئت فيهم. فناداني ملَك الجبال فسلّم عليّ ثُمّ قال: يا محمّد ثم ّقال ذلك, فيما شِئت؟ إن شِئت أُطْبِقُ عليهم الأخشبين. فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده و لا يُشرك به شيئًا".

(البخاري- كتاب بَدْءِ الخلق, و مُسلم- كتاب الجهاد و السير – باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين)

و ظاهرٌ من هذا الحديث أنّ ملَك الجبال مُوكّل بعملٍ مُعيّن و إلّا لَعَرضَ جبريل نفسه على الرسول صلى الله عليه وسلم ليتولّى تنفيذ ما يريده صلى الله عليه وسلم. و نلخص من ذلك إلى أنّ كلّ شيء مستقل على حِدى و له ملَكٌ موكل به.

 

إختلاف الملائكة باختلاف المظاهر و الصفات

ذكرنا فيما سبق أنّ الملائكة تظهِر مختلف الصفات الإلهيّة فمن الملائكة من يكونون مظهرًا لطاقة واحدة والآخرين لأكثر من طاقة حيث قيل:

(الآية - 2)

و يؤُخذ من هذه الآية أنّ الملائكة غير متساويين من حيث القوى و القدرات و إِنّما زُوِّدوا باستعداد المناسب من حيث نوع العمل الموكلين به و حسب حاجة الوقت, و أنَّهم يُرسلون للنّاس تِبعًا لظروفهم و استعدادهم. و عندما بلغت الدنيا أعلى درجاتها في زمن الرسّول صلى الله عليه وسلم أُرسل جيربل في صورته الكاملة التي جاء وصفها في الحديث بأنّ له ستمائة جناح (راجع أحاديث الإسراء و المعراج) و هو ما يُشير إلى أنّ جبريل عليه السلام مظهرٌ لستمائة صفة من صفات ربّ العالمين.

هذا و من الخطأ أن نقول أن ّصفات الله تعالى أقلّ من ستمائة و من ثُمّ كيف يصحّ أن يكون جبريل عليه السلام مظهرًا لعدد أكثر من الصفات. و الردّ على مثل هذا التصوّر الخطأ هو أنّ صفات الله تعالى هي في الحقيقة لا تُحصى و لا تُعدّ و لكن منها ستمائة فقط هي التي للإنسان علاقة بها أو هي التي لها تأثير على الإنسان و لذا جاء جبريل عليه السلام بمظهر هذه الصفات. و نشير بهذه المناسبة إلى أنّ للمسيح الموعود عليه السلام في هذه المسألة قولًا بالغ الدّقة و هو أنّ علم القرآن الكريم قد أُعطيَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم بِقدْرٍ أكثر مِمّا أُعطيَ لجبريل عليه السلام نفسه. و هذا حقّ لأنّ جبريل عليه السلام لم يكُن بمفرده بل كان هناك ملائكة آخرون في تأييد الرسول صلى الله عليه وسلم و لهم صفات أو أجنحة أُخرى كما ذكرنا آنفًا.

 


 

خطب الجمعة الأخيرة