loader
 

مفهومنا للإسلام وتعريفنا للمسلم

Orange Dot مفهومنا للإسلام
Orange Dot تعريف المسلم
Orange Dot أحاديث تعرف من هو المسلم
 
مفهومنا للإسلام

يقول حضرة المؤسس عليه السلام في تبيان مفهوم الإسلام وحقيقته وجوهره ما تعريبه:

"إن المعاني المقبولة للإسلام اصطلاحا هي ما أشير إليه في الآية الكريمة: (بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) بمعنى أن المسلم من يُسلِم كل كيانه في سبيل الله تعالى، أي أنه يكرس نفسه وينذرها لله تعالى ولاتباع مشيئته والفوز برضاه؛ ثم يقوم بالأعمال الصالحة لوجهه تعالى، ويبذل في سبيله جميع طاقاته وقدراته، أي أنه يصبح لله تعالى فحسب، اعتقادًا وعملاً. فاعتقادا هو يعتبر كل كيانه شيئًا خُلق لمعرفة الله تعالى وطاعته ولنيل محبته ولكسب رضاه. أما عمليا فهو يقوم بالأعمال الصالحة بكل ما أعطي من الله من قوة وقدرات، خالصة لوجه الله تعالى، بكل اندفاع وحماس واستغراق وكأنه يرى وجهَ معبوده الحقيقي في مرآة طاعته....

والآن بإمكان كل ذي عقل سليم أن يفهم، على ضوء هذه الآية الكريمة، أن حقيقة الإسلام وجوهره لا تتجذر في أحد إلا حينما يكرّس نفسه لله ويقفها في سبيله تعالى بكل قواه الباطنة والظاهرة؛ ويردّ تلك الأمانات التي وُهبت له من الله إلى الله سبحانه وتعالى الذي هو المعطي الحقيقي عز وجل؛ ويُظهر إسلامه بصورة حقيقية كاملة من خلال مرآة عمله لا بمجرد اعتقاد دون عمل؛ أي أن الشخص المدعي بالإسلام يثبت أن يديه ورجليه، وقلبه وذهنه، وعقله وفهمه، وغضبه ورحمته، وحلمه وعلمه، وجميع قواه الروحانية والجسدية، وشرفه وماله، وراحته وسروره، وكل ما يملك من قمة رأسه إلى أخمص قدمه ظاهرًا وباطنًا، حتى إن نياته وخواطر قلبه وعواطف نفسه كلها قد أصبحت خاضعة لإرادة الله تعالى كما تكون أعضاء الإنسان تابعة له وتحت سيطرته.

وخلاصة القول، يجب عليه أن يُثبت أن نقاء سريرته وصدق أعماله قد بلغ درجة بحيث إن كل ما كان له لم يعد له الآن، بل أصبح لله تعالى، وأن تنخرط كل جوارحه وقواه في سلك الخدمة الإلهية وكأنها جوارح الحق عز وجل.. أي أن يصبح اللهُ سمعَ الإنسان الذي يسمع به، وبصرَه الذي يبصر به، ويدَه التي يبطش بها، ورجلَه التي يمشي بها، كما جاء في الحديث الشريف."

ويتابع حضرته عليه السلام فيبين أن جوهر الإسلام لا يتحقق إلا بطاعة الخالق والعبودية المطلقة له عز وجل من ناحية، ومن خلال خدمة الخلق المتفانية المخلصة ابتغاء مرضاته من ناحية أخرى. وهذا لن يحصل إلا بالقضاء على الأنانية وخشية الناس والطمع، وبالقضاء على أهواء النفس الأمارة التي تحاول إبعاد الإنسان عن هذه الغاية، فيقول:

"ويتضح جليًا من خلال التدبر في هذه الآية أن نَذْر الحياة في سبيل الله - وهو حقيقة الإسلام وجوهره- إنما يتحقق بالقيام بأمرين، أحدهما أن يتخذ الإنسانُ اللهَ تعالى وحده معبودًا ومقصودًا ومحبوبًا له، وألا يُشرك أحدا في عبادته ومحبته له، وخوفه ورجائه منه، وأن يقبل بطيب الخاطر آدابَ تقديسه وتسبيحه وعبادته وعبوديته، وأحكامه وأوامره وحدوده وقضائه وقدره السماويَّين؛ وأن يقبل جميع هذه الأحكام والحدود والقوانين والأقدار بكامل التفاني والتذلل والإرادة...

والأمر الثاني هو أن يكرس حياته لخدمة عباده ومواساتهم ومساندتهم وحمل أثقالهم ومشاطرتهم أحزانهم، وأن يتحمل الأذى من أجل الآخرين، وأن يرضى بالآلام لنفسه من أجل راحتهم...

إذًا فلا يقال لأحد مسلمٌ حقيقةًً إلا إذا حدث في حياته الغافلة انقلابٌ عظيم تتلاشى معه جميع نقوش نفسه الأمارة بكل ثوائرها. فبعد هذا الموت تسري فيه حياة جديدة ليصبح تقيا نقيا محسنًا لوجه الله، وتكون هذه الحياة طاهرة لدرجة لا يملؤها سوى طاعة الخالق ومواساة الخلق.

أما طاعة الخالق، فأنْ يكون مستعدًّا لقبول كل إهانة ومذلة لإظهار عزة الله وجلاله ووحدانيته، وأن يكون جاهزًا لقبول الموت ألف مرة لرفع راية وحدانيته عز وجل. وأن يطيعه لدرجة يكون فيها مستعدا أن تَقطَع إحدى يديه يدَه الأخرى بطيب خاطر إذا أراد الله ذلك. وأن يجعله الحب لعظمة أحكامه عز وجل والعطش لنيل رضاه، يتنفّر من الإثم وكأنه نار ملتهمة أو سمّ فتاك أو صاعقة محرقة تستدعي الهروب منها بكل قواه...

أما خدمة خلق الله، فهي أن يقوم العبد بكل ما ينفع الخلق... ويمد يد العون إلى كل محتاج بكل الطاقات الموهوبة له من الله تعالى، وأن يجاهد في سبيل إصلاح أحوالهم في أمور الدنيا والآخرة.

إن هذه الطاعة العظيمة لله تعالى والخدمة العمَلية الممزوجة بالألفة والمحبة التي تفيض بالإخلاص والحنيفية التامة لهي الإسلام وحقيقته وجوهره ولبّه الذي لا يُنال إلا بعد القضاء على الأنانية وخوف المخلوق والطمع والهوى والإرادة."

(مرآة كمالات الإسلام، الخزائن الروحانية ج5 ص 60- 62)


ومع أن هذا هو مفهوم الإسلام الذي كانت تحويه رسالات الأنبياء السابقين وشرائعهم، بيد أن هذا المفهوم لم يظهر بصورته الحقيقية والكاملة إلا في دين الإسلام، الذي هو الدين الكامل، وكتابه هو الكتاب الكامل ونبيه صلى الله عليه وسلم هو النبي الكامل؛ لذلك استحق دين الإسلام هذا الاسم بسبب تحقيقه لمفهوم الإسلام بشكل تام وشامل وكامل، وكان من حق القرآن الكريم وحده أن يعلن كمال دين الإسلام وتمامه. فيقول حضرته عليه السلام توضيحا لهذا الأمر ما تعريبه:

"لقد أعلن القرآن الكريم بنفسه: (اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الإسلام دينًا).. أي يجب أن تتمسكوا بالحقيقة التي تتضمنها كلمة "الإسلام" والتي شرحهاالله تعالى بنفسه من خلال كلمة "الإسلام". ففي هذه الآية صراحةٌ أن القرآن الكريم وحده أعطى تعليما كاملا، وأن عصرَ القرآن كان جديرا بأن يعطَى فيه تعليمٌ كامل. فإعلان التعليم الكامل الذي قام به القرآن كان من حقه وحده، ولم يقم أي كتاب سماوي آخر بمثل هذا الإعلان".
(مقدمة البراهين الأحمدية، الجزء الخامس، الخزائن الروحانية ج 21 ص 4)


 

تعريف المسلم

إننا نرى أن التعريف المقبول للمسلم، والذي يجب أخذه والعمل به، ينبغي أن يكون ثابتا من القرآن الكريم أو من الأحاديث النبوية القطعية التي لا يردها القرآن الكريم ولا يعارضها، والذي تؤكد عليه السنة النبوية، وثبت أنه كان معمولا به في العصر النبوي وفي عصر الخلفاء الراشدين. إن قاعدتنا في قبول هذا التعريف للمسلم لا تختلف إجمالا عن منهجنا في قبول أو رد أي مبدأ آخر. ونرى أن هذه القواعد المتينة هي التي تحفظ من الزيغ أو الزلل، وأن الانحراف عنها قد يترك أثرا مدمرا على وحدة الأمة الإسلامية وكيانها.

إن ما ثبت بالقرآن الكريم أو بالأحاديث القطعية، وصدقته السنة النبوية الثابتة، وعُمل به مِن قبَل الصحابة لهو أمر متين لا شك فيه ولا اعوجاج، وينبغي ألا يُترك لما هو دونه. لقد نشأت في العصور التي تلت عصر النبي وعصر الخلفاء الراشدين تعاريف جديدة للمسلم لأسباب سياسية أو مادية، وهي في مجملها متناقضة بحيث لا يمكن الجمع بينها. كما أنه من غير الممكن أخذ واحد منها، لأن من يُعتبر مسلما وفق أحدها سيكون غير مسلم بالنسبة للبقية الباقية.
 

أحاديث تعرف من هو المسلم

إن سيدنا ومولانا محمدا المصطفى صلى الله عليه وسلم قد قدم التعريف القيم للمسلم في حديثه الشريف كما يلي:
 

  • أولا: عن عبد الله بن عمر يقول: " حَدّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشّعَرِ، لاَ يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السّفَرِ، وَلاَ يَعْرِفُهُ مِنّا أَحَدٌ، حَتّى جَلَسَ إِلَى النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمّدُ! أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلاَمِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "الإِسْلاَمُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاّ الله وَأَنّ مُحَمّدا رَسُولُ اللّهِ، وَتُقِيمَ الصّلاَةَ، وَتُؤْتِي الزّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجّ الْبَيْتَ، إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً. قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ، يَسْأله ويُصَدّقُهُ. قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإِيمَانِ؟ قَالَ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِالله، وَمَلاَئِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الاَخِرِ، وَتُؤْمنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرّهِ". قَالَ: صَدَقْتَ."
    (مسلم، كتاب الإيمان)


  • ثانيًا: حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك بن أنس عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد الله يقول: "جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن أهل نَجْدٍ ثائرَ الرأس، يُسمَع دويُّ صوته ولا يُفقَه ما يقول، حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خمسُ صلوات في اليوم والليلة. فقال: هل عليَّ غيرها؟ قال: لا إلا أن تَطوَّعَ. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وصيام رمضان. قال: هل علي غيره؟ قال: لا إلا أن تطوَّعَ. قال: وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة. قال: هل علي غيرها؟ قال: لا إلا أن تطوَّعَ. قال: فأدبرَ الرجلُ وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفلحَ إنْ صدَق."
    (البخاري، كتاب الإيمان)


  • ثالثًا: عن أنس ابن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن صلّى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم، الذي له ذمة الله وذمّة رسوله، فلا تُخفِروا اللهَ في ذمته."
    (البخاري، كتاب الصلاة، باب فضل استقبال القبلة)


وقد يقول قائل، إن هذا التعريف الذي قدمه الحديث الشريف إنما أغفل احتمال ظهور متنبئ كذاب، فكان ينبغي أن يشتمل هذا التعريف على ما يعالج ظهور المتنبئين الكذابين.

نرد على هذا من وجهتين:

  • الأولى أن هذا القول إنما يمس مقام المصطفى صلى الله عليه وسلم وينسب إليه ما لا يليق به؛ فكيف يمكن أن يغفل النبي صلى الله عليه وسلم أمرا هاما كهذا وهو النبي الكامل، صاحب التعليم الكامل؟
     
  • والثانية أن المتنبئين الكذابين قد ظهر منهم اثنان على الأقل في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ومنهم مسيلمة الكذاب. فقد ورد أنه حين جاء وطالبَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يُشركه في الأمر ويوصي به بعد وفاته صلى الله عليه وسلم كانت في يده المباركة جريدة نخل، فقال صلى الله عليه وسلم لمسيلمة: "لو سألتَني هذه القطعةَ ما أعطيتُكها."
    (البخاري، كتاب المناقب)


وقد يقول آخر: إن من أنكر معلوما من الدين بالضرورة، فيجب تكفيره. فنطالب هذا القائل بتحديد هذا المعلوم من الدين بالضرورة؟ فإن حدده بالإيمان بأركان الإيمان وأركان الإسلام، فقد اتفقنا. وإن حدده بعدم رفض أي حكم شرعي بعد معرفته، فقد اتفقنا أيضا. وإن حدده بوجوب قبول أي تفسير يقدمه هو، فلن نوافق على هذا التحديد، لأن تفسيره ليس معلوما من الدين بالضرورة، وإلا فإن المسلمين جميعا سينشغلون بتكفير بعضهم بعضا - كما حصل في الماضي حيث لم يسلم من التكفير كثير من السلف الصالح كما هو معلوم لدى الجميع - ولن يفرح لذلك إلا جماعات التكفير.

إنه لمنّةٌ عظيمة من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على أمته أنه قد وضع بهذا التعريف الشامل والكامل الجامع والمانع حجرَ أساس لاتحاد الأمة الإسلامية، وإن لم تتخذ الأمة هذا التعريف ولم تعمل به فلن تبرح عرضة للتشتت والفُرقة والتشرذم، ولن يُغلَق باب الاضطرابات والفتن أبدًا. إن تعريف سيدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم هو التعريف الذي نتمسك به والذي نأمل من الأمة الإسلامية جميعها أن تتمسك به وألا تحيد عنه أبدا.

 


 

خطب الجمعة الأخيرة